فِيهَا تُوُفِّيَ أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ سُلَيْمٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ الْعُقَيْلِيُّ، وَجَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ فِي قَوْلِ خَلِيفَةَ، وَأَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ، وَزِيَادُ بْنُ عِلاقَةَ الثَّعْلَبِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ الرُّهَاوِيُّ، وَسَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوْلٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حُمَيْدٍ بِمِصْرَ، وَصَالِحُ مَوْلَى التوأمة بِالْمَدِينَةِ، وَعَلِيُّ بْنُ نُفَيْلٍ الْحَرَّانِيُّ بِهَا، وَمُحَمَّدُ بن علي بن عبد الله بن عباس عَلَى الأَصَحِّ، وَمَرْثَدُ بْنُ سُمَيٍّ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عبد الملك بْنِ أَبِي مَالِكٍ، وَهِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَلِيفَةُ، وَيَحْيَى بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ قُتِلَ كَأَبِيهِ.
وَفِيهَا استُخْلِفَ الْوَليِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ إِلَى يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى أَمِيرِ الْعِرَاقِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ الثَّقَفِيِّ بِالأَخَوَيْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيِّ، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَيْهِ عَذَّبَهُمَا حَتَّى هَلَكَا، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ هَذَا قَدْ وَلِيَ الْحَرَمَيْنِ لِهِشَامٍ مُدَّةً وَأَقَامَ الْحَجَّ مُدَّةً.
وَكَانَتِ الْفِتَنُ شَدِيدَةً بِالْمَغْرِبِ وَنِيرَانُ الْحَرْبِ تَسْتَعِرُ، وعليها الأمير -[357]- حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، فَزَحَفَ إِلَيْهِ عُكَاشَةُ الْخَارِجِيُّ فِي جَمْعٍ فَالْتَقَوْا، فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ وَقْعَةٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَانْهَزَمَ عُكَاشَةُ، وَقُتِلَ مِنَ الْبَرْبَرِ مَنْ لا يُحْصَى، ثُمَّ تَنَاخُوا وَسَارَ رَأْسُهُمْ عَبْدُ الْوَاحِدِ الْهَوَّارِيُّ بِنَفْسِهِ، فَجَهَّزَ حَنْظَلَةُ لِمُلْتَقَاهُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَانْكَسَرُوا، وَوَلَّوِا الأَدْبَارَ وَقُتِلَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَنَزَلَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بِجُيوُشِهِ عَلَى فَرْسَخٍ مِنَ الْقَيْرَوَانِ، وَكَانَ فِيمَا قِيلَ فِي ثلاث مائة أَلْفٍ، فَبَذَلَ حَنْظَلَةُ الأَمْوَالَ، وَالسِّلاحَ وَعَبَّأَ عَشْرَةَ آلافٍ، فَخَرَجُوا وَمَعَهُمُ الْقُرَّاءُ وَالْوُعَّاظُ وَكَثُرَ الدُّعَاءُ، وَالاسْتِغَاثَةُ بِاللَّهِ وَضَجَّ النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ، وَكَانَتْ سَاعَةً مَشْهُودَةً، وَسَارَ حَنْظَلَةُ بَيْنَ الصُّفُوفِ يُحَرِّضُ عَلَى الْجِهَادِ، وَاسْتَسْلَمَتِ النِّسَاءُ لِلْمَوْتِ لِمَا يَعْلَمْنَ مِنْ رَأَيِ هَؤُلاءِ الصُّفْرِيَّةِ، ثُمَّ كَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ وَصَدَقُوا الْحَمْلَةَ وَكَسَرُوا أَغْمَادَ سُيُوفِهِمْ، وَالْتَحَمَ الْحَرْبُ وَثَبَتَ الْجَمْعَانِ، ثُمَّ انْكَسَرَتْ مَيْسَرَةُ الإِسْلامِ، ثُمَّ تَرَاجَعُوا وَحَمَلُوا فَهَزَمُوا الْعَدُوَّ، وَقُتِلَ عَبْدُ الْوَاحِدِ الْهَوَّارِيُّ وَأُتِيَ بِرَأْسِهِ، وَقُتِلَ الْبَرْبَرُ مَقْتَلَةً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَأُسِرَ عُكَاشَةُ وَأُتِيَ بِهِ فَقَتَلَهُ حَنْظَلَةُ، وَأَمَرَ بِإِحْصَاءِ الْقَتْلَى بِالْقَصَبِ بِأَنْ طَرَحَ عَلَى كُلِّ قَتِيلٍ قَصَبَةٌ، ثُمَّ جَمَعَ الْقَصَبَ فَبَلَغَتْ مِائَةُ أَلْفٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا، وَهَذِهِ مَلْحَمَةٌ مَشْهُودَةٌ ما سمعنا قط بمثلها، وَهَؤُلاءِ الْكِلابُ يَسْتَبِيحُونَ سَبْيَ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَذُرِّيَتِهِمْ وَدِمَاءِهِمْ وَيُكَفِّرَونَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ، وَتُعْرَفُ بِغْزَوَةِ الأَصْنَامِ بِاسْمِ قَرْيَةٍ هُنَاكَ.
وَعَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا غَزْوَةٌ كَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَشْهَدَهَا بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ مِنْ غَزْوَةِ الْغَرْبِ بِالأَصْنَامِ.