538 - عيسى ابن المُحدِّث أبي محمد عَبْد الْعَزِيز بْن عِيسَى بْن عَبْد الواحد بن سُلَيْمان اللَّخْمِيّ الأَنْدلسيُّ الشَّرِيشيُّ ثمّ الإِسكندرانيُّ المقرئ، أبو القاسم. [المتوفى: 629 هـ]
سَمَّعه أبوه من السِّلَفِيّ أجزاءً فيها كثرةً، وكان لَهُ بها أصولٌ. وكان مقرئًا -[900]- بصيرًا بالقراءات المشهورة والشواذ. تصدَّرَ للإقراء ببلده مُدَّة، وقرأ عليه الشيخ زينُ الدِّين عبد السّلام الزَّواوي، ورشيدُ الدِّين أَبُو بَكْر بْن أَبِي الدُّر، والتقيُّ يعقوبُ بن بَدْران الجرائديّ.
وحدَّث عنه الحافظ عبدُ العظيم، والكمالُ العبّاسيّ الضرير، والحافظ محبّ الدّين بن النّجّار، وإسحاق بن أسد، وجماعة من المحدِّثين والقَرَأَةُ، وَحَدَّثَنَا عنه أبو محمد الحَسَن سِبْطُ زيادة.
ولد سنة خمسين وخمسمائة ظنًا. وأقرأ بمصر أيضًا. وكان غيرَ ثقة ولا صادقٍ مع جلالته وفضائله.
قرأتُ بخطّ عُمَر بن الحاجب، قال: كَانَ لو رأى ما رأى قال: " هذا سماعي "، أو " لي من هذا الشيخ إجازة ". قال: وكان يقول: جمعتُ كتابًا في القراءات فيه أربعةُ آلاف رواية. ولم يكن أهلُ بلده يُثنون عليه. وكان فاضلًا، مقرئًا، كيِّس الأخلاق، مُكْرِمًا لأهل العِلْم.
قلت: وكان قد قرأ القراءات السبع على أبي الطيِّب عبد المُنعم بن يحيى بن الخُلُوف الغَرْنَاطيّ نزيل الإسكندرية سَنَة بضعٍ وسبعين، وماتَ سَنَة سِتٍّ وثمانين. وكان قد أخذ القراءات عن والده ابن الخُلُوف وشريح. وأسند القراءات و " التّيسير " عنه في إجازته للزَّواوي في سَنَةِ ستٍّ عشرة وستّمائة. ولم يذكر لَهُ شيخًا سوى أبي الطيِّب، وإنّما ذكر وكثّر في أواخر عُمره، نسأل الله السلامة، ولو كَانَ قرأ على أبي القاسم بن خَلَف الله صاحب ابن الفَحّام لكان لَهُ إسنادٌ عالٍ كصاحبيه أبي الفضل الهَمْدانيّ، وجمال الدِّين الصَّفْراويّ، وما جَسَرَ - مع وجودهما - أن يزعم أنَّه قرأ على شيخِهما. لكنّي بأخرةٍ قرأتُ بخطِّ ابن مَسْدِيّ: سَمِعَ من عبد الرحمن بن خَلَف الله، وقرأ عليه بالروايات، وعلى ابن سعادة الدّاني. وابن سعادة - هذا - من أصحاب ابن هذيل وطبقته فأغرب عنه بـ " التيسير " عن عبد القُدوس، عن أبي عَمْرو الدّاني. وكتب إليه مخبرًا أبو الفتوح، وأبو الحَسَن الأَرْتَاحِيّ، وأبو سَعْد السَّمعانيّ. وقفت على أثباته ودستور إجازاته وما ذكرته فمن ذلك، إلى أنّ قال: ولَهُ كتاب " الجامع الأكبر والبحر الأَزخر " في اختلاف القُرَّاء، يحتوي على سبعة آلاف رواية وطريق. ومن هذا الكتاب وقع الناسُ فيه، والله أعلم بما يخفيه. جمعت عليه -[901]- ختمةً بالسبع من طريق " التّجريد "، وسمعتُ منه كثيرًا. قال: وولد سنةً أربع وخمسين وخمسمائة. وفي أسانيده تخليطٌ كثير، وأنواع من التَّركيب والشَّره. في كلامٍ نحو هذا لابن مَسْدِيّ.
وقد سألتُ عنه العَلَّامة أبا حيّان الأَنْدَلسِيّ - أبقاهُ الله - فكتب إليَّ فيما كتب: كَانَ لَهُ اعتناءٌ كثير بالقراءات، وتصانيف عِدَّة. وكان أبوه قد اعتنى به في صغره. وكان فقيهًا، مُفتيًا. قرأ عليه النّاسُ وأخذوا عنه، وتكلَّم بعضُهم فيه. وقفتُ على إجازته لأبي يوسف يعقوب بن بَدْران الجرائديّ وقد قرأ عليه بالسبع، وقراءة يعقوب، وابن القعقاع، وابن مُحَيْصن، وأشهدَ على نفسه لَهُ بها في صفر سَنَة سبعٍ وعشرين، وأسند فيها عن أبي طاهر السِّلَفيّ.
وذكر أنَّه أجازه أبو الفتوح ناصرُ بن الحَسَن الخَطيب. وأسند في هذه الإجازة عن رجلين، أحدهما: أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن سعادة الأصبحيّ الدّاني - وسيأتي ذكره - وأنه قرأ عليه أربعةً وثلاثين كتابًا، وتلا عليه بكلِّهِنَّ، منها كتاب " التّيسير " ثمّ ساقَ أسماءها جميعًا. ثمّ سمَّى بعدها خمسة عشر كتابًا ذكر أنَّه تلا بهِنّ كلِّهِنَّ على عبد الله هذا. وذكرَ الشيوخ الذين روى عنهم القرآن والكتبَ المذكورة، وأسندها عنهم شيخه عبدُ الله بن مُحَمَّد بن خَلَف، فذكر منهم أبا مروان عبد الملك بن عبد القدُّوس - وأنه قرأ على أبي عَمْرو الدّاني - وأبا الحَسَن شُرَيح بن مُحَمَّد، وسُلَيْمان بن عبد الله بن سُلَيْمان الأنصاريّ، عن أبي معشر الطَّبريّ، وذكر أبا سَعيد رحمةَ بن موسى القُرْطُبيّ، عن مكيّ بن أبي طالب، وأبي عليّ الأَهْوازيّ، وغيرهما، وأبا عبد الله محمد بن جامع الأَنْدَلسِيّ، عن يعقوب بن حامد، عن أبي عبد الله بن سُفْيان مؤلّف " الهادي "، وأبا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرحمن المُقرئ، وأبا الحَجّاج يوسُف بن عليّ بن حَمْدان، وأبا عبد الله الخَوْلانيّ، وأبا مُحَمَّد عبد الله بن محمد بن السّيد البَطَلْيَوسيّ. وأما عبدُ الملك، ورحمة، وسُلَيْمان، وابن جامع، وابن حَمْدان، فمجاهيل أو لم يكونوا موجودينَ في الدُّنيا، بل هي أسماءٌ موضوعه لغير موجود! وأما مُحَمَّد بن عبد الرحمن، فإنَّه توفّي بعد الخمسمائة. -[902]-
وذكر لَهُ شيخنا أبو حيّان ترجمة، ثمّ قال: ثمّ الّذين أَرَّخوا في علماء أهل الأندلس ذكروا أبا مُحَمَّد هذا شيخ ابن عيسى فلم يذكروا في شيوخه أحدًا من هؤلاء، هذا مع علمهم، واطِّلاعهم على أحوال أهل بلادهم.
ثمّ قال: أَخْبَرَنَا الخطيبُ أبو عبد الله محمد بن صالح الكِنانيّ الشاطبيّ إجازةً، وغيرُه عن الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القُضاعيّ عُرِف بالأَبَّار صاحب كتاب " التكملة "، قال: عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن سعادة الأَصْبَحيّ من أهل دانية، يُكنى أبا محمد، سَمِعَ أبا بكر بن نُمارة، ولازم بِبَلْنَسِيَةَ أبا الحَسَن بن سَعْد الخير، ثمّ رحل إلى المشرق، فسمع بالإِسكندرية من أبَوي الطّاهر السِّلَفِيّ وابن عَوْف، وغيرهما. حدَّث عنه أبو القاسم عيسى بن الوجيه أبي محمد عبد العزيز الشَّريشيّ وحَمَّلَهُ الرواية عَن قومٍ لم يَرَهمْ وَلَا أدركهم وبعضهم لا يُعْرَفُ، وذلك من أوهام هذا الشيخ عيسى واضطّرابه في روايته، وسَمِعَ أيضًا من أبي عبد الله الحَضْرَميّ، وأبي القاسم عليّ بن مهديّ الإسكندراني، وأكثر عنهم.
إلى أنّ قال شيخنا أبو حيّان: وأبو عبد الله الأَبَّار متى عرض لَهُ في " تاريخه " ذُكِرَ أبي القاسم بن عيسى يحذّر منه حتى إنّه يذكره في موضع وقال: إنما أكرّر الكلام عليه ليُحْذَر منه، أو قريبًا من هذا المعنى أو نحوه. وذكر أيضًا أنَّه نَسَبَ دواوين شِعْر لناسٍ ما نظموا حرفًا قطُّ ولا عُلِمَ ذلك منهم.
ثمّ قال أبو حيّان: فانظر إلى ابن عيسى كيف ادَّعى أنَّه قرأ على ابن سَعادة القرآنَ بنحوٍ من خمسين كتابًا!! وأنه قرأ منها أربعة وثلاثين كتابًا؟! ونسبته إلى الرواية عن هؤلاء المشايخ الّذين ما ذكر أحدٌ أنَّه روى عن واحدٍ منهم، بل أكثر ما ذكر لَهُ الأَبَّار رجلانِ من أهلِ الأندلس ابن نمارة، وابن سَعْد الخير، نعوذُ بالله من الكَذِب والخِذْلان، وآخر من روى القراءات تلاوةً عن واحد عن أبي عَمْرو الدّاني فيما علمنا أبو الحَسَن بن هُذَيْل، وتُوُفّي سنة أربعٍ وستين وخمسمائة، فكيف يكون ابن سعادة يُحَدِّث بالتّلاوة عن واحدٍ عن أبي عمرو وكان حيًّا في سَنَة ثلاثٍ وسبعين؟ ورُبّما عاش بعد ذلك سنين.
قال: وأما الرجل الآخر الّذي روى عنه أبو القاسم بن عيسى القراءات، فهو أبو الحَسَن مقاتل بن عبد العزيز بن يعقوب، قال: قرأتُ عليه " التّجريد " -[903]- لابن الفحَّام وبما تضمّنه، حدَّثني به عن مؤلِّفه. وبهذا السند قرأتُ عليه مفرداته العَشْرَ، وقرأت عليه كتاب " تلخيص العبارات " لابن بَلّيمة، وتلوت عليه بما تضمّنه، حدّثني به عن مؤلّفه، وتلوتُ عليه بكتاب " العنوان "، حدَّثني به عن الحَسَن بن خَلَف، عن مؤلفه، وعن ابن مؤلفه، عن أبيه. قال ابن عيسى: وتلوتُ عليه وعلى غيره من المقرئين بكتبٍ كثيرة لا تسع هذه الإجازة، وهي مذكورة في كتاب " التّبيين في ذِكر من قرأ عليه ابن عيسى من المقرئين ". ومن هذه الكتب والكتب التي بقيت ولم نذكرها التي تلوتُ بها على بقيّة شيوخي هي التي خرَّجت منها سبعةَ آلاف رواية التي تلوتُ بها.
قال أبو حيّان: ومقاتل بن عبد العزيز هذا الّذي ذكره أنَّه روى عن ابن الفحَّام، وابن بَلِّيمة لا نعلمه إلّا مِن جهة ابن عيسَى فينبغي أنّ يبحث عن مقاتل أكان موجودًا؟ وليس ذلك؛ لأن يَصِحَّ إسنادُ ابن عيسى عنه، فإنَّ إسنادًا فيه ابن عيسى لن يصحَّ أبدًا.
قلت: أقطعُ بأنّ رجلًا اسمه مُقاتل منعوتٌ بأخذ القراءات عن الأربعة المذكورين والحالة هذه لم يوجد أبدًا ولا خُلِقَ قَطُّ. وقد طال الخطابُ في كَشْفِ حالِ الرَّجل. وبدونِ ما ذكرنا يُتْرَكُ الشخصُ، أما خَافَ من اللهِ إِذْ زعم أنَّه صَنَّف كتابًا فيه سبعةُ آلاف رواية؟ فوالله إنَّ القرَّاء كلّهم من الصّحابة إلى زمانه - أعني الذين سُمُّوا من أهل الأداء في المشارق والمغارب ودُوِّنوا في التّواريخ - لا يبلغون سبعةَ آلاف بل ولا أربعة آلاف وأنا متردّدٌ في الثلاثة آلاف هل يصلون إليها أمّ لا؟ هذا أبو القاسم الهُذليّ الّذي لم يَرْحَل أحدٌ في القراءات ولا في الحديث مثلَه، ولَهُ مائة شيخ قرأ عليهم القرآنَ، جمَع في كتابه الغَثَّ والسَّمين، والمشهورَ والشاذّ، والعالي والنازلَ، وما تَحلُّ القراءةُ به وما لا تحلُّ، وأربَى على المُتقدِّمين والمتأخرين - لم يُمْكِنْهُ أن يأتي في كتابه بأكثر من خمسين رواية من ألف طريق، وقد يكونُ الطريقُ مثل أن يروي مُسلم الحديث عن قُتَيْبة، عن الَّليْث، وعن عبدِ الملك بن شُعَيْب بن الَّليْث، عن أبيه، عن الَّليْث، فيسمّى ذلك طريقين.
وقد تفرَّد القاضي تقيُّ الدِّين سُلَيمان بالإجازة منه.
وتُوُفّي في سابع جُمَادَى الآخرة. -[904]-
وما أنا ممّن يُتَّهم بالحَطِّ على ابن عيسى، فلو كنتُ مُداهنًا أحدًا لداهنتُ في أَمْرِهِ، لأنّني قرأتُ " التَّيسيرَ " في مجلس على سِبْط زيادة بأصل سماعه منه. قال: أَخْبَرَنَا عبد الله بن محمد بن خلف، قال: أَخْبَرَنَا ابن عبد القدُّوس عن مؤلّفه، فوددتُ لو ثبت لي هذا الإسناد العالي، لكنّه شيء لا يَصِحُّ. وأما إجازته من الشريف الخطيب، فصحيحه إن شاء الله، قد سَمِعَ بها الحافظ ابن النّجّار، وغيره.
وقرأتُ كتاب " العنوان " في القراءات على سبط زيادة، بسماعه من ابن عيسى، بإجازته من الخطيب. قال: أخبرنا أبو الحسين الخشّاب، قال: أخبرنا المصنّف.