122 - علي بن يوسف بن أيوب بن شاذي، السلطان الملك الأفضل نور الدين ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين.

122 - عليّ بْن يوسُف بْن أيّوب بْن شاذي، السُّلطان الملك الأفضل نور الدِّين ابن السُّلطان الملك النّاصر صلاح الدِّين. [المتوفى: 622 هـ]

وُلِدَ يوم عيد الفِطْر سَنةَ خمسٍ وستّين بالقاهِرَةِ، وقيل: سَنةَ ستٍّ وستّين. وسَمِعَ من عَبْد اللَّه بْن بَرِّيّ النَّحْويّ، وأبي الطّاهر إسماعيل بن عَوْف الزُّهْريّ، وأجاز لَهُ جماعة. ولَهُ شعرٌ حسنٌ، وترسّلٌ، وخطٌّ مَليح.

وكان أسنَّ الإِخوة، وإليه كانت ولايةُ عهدِ أبيه. ولَمّا مات أبوه، كان معه بدمشق، فاستقلّ بسلطنتها، وأستقلَّ أخوه الملك العزيز بمصر، وأخوهما الظّاهر بحلب.

ثمّ جرت للأفضل والعزيز فتنٌ وحروب، ثمّ اتَّفق العزيزُ وعمُّه الملكُ العادل على الأفضل، وقصدا دمشقَ، وحاصراه، وأخذاها منه، فالتجأ إلى صَرْخَدَ، وأقام بها قليلًا. فمات العزيزُ بمصر، وقام ولدُه المنصور مُحَمَّد وهُوَ صبيٌّ، فطلبوا لَهُ المَلِكَ الأفضلَ ليكون أتابَكَه؛ فَقَدِمَ مصر، ومشى في ركاب الصبيّ.

ثمّ إنّ العادل عَمِلَ على الأفضل، وقَدِمَ مصر وأخذها، ودفع إلى الأفضل ثلاثة مدائن بالشرق، فسار إليها، فلم يحصل لَهُ سوى سُمَيْسَاطَ، فأقام بها مُدَّة. وما أحسن ما قال القاضي الفاضل: أمّا هذا البيت، فإنّ الآباء منه -[717]- اتفقوا فملكوا، والأبناءَ منه اختلفوا، فَهَلَكُوا. وقيل: كان فيه تشيّعٌ. ولمّا عمل عليه عمُّه العادل أبو بكر قال:

ذي سُنَّةٌ بَيْنَ الأَنَامِ قديمةٌ ... أَبَدًا أبو بكرٍ يَجُورُ عَلَى عَلِي

وكتب إلى الخليفة:

مَوْلاي إنَّ أبا بكرٍ وصَاحِبَه ... عُثْمَانَ قَدْ غَصَبَا بالسِّيفِ حَقَّ عَليّ

وهُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ وَلَّاهُ والده ... عليهما واستقام الأمر حين ولي

فخالفاه وحلاّ عقد بيعته ... والأمر بينهما والنصّ فيه جلي

فانظر إلى حظ هذا الاسمِ كَيْفَ لَقِي ... مِنْهُ الأَوَاخِرُ مَا لاقى مِنَ الأُوَلِ

فجاءه في جواب النّاصر لدين الله:

وَافي كِتَابُك يا بن يوسُف مُعْلِنًا ... بالوُدِّ يُخْبِرُ أنَّ أصْلَكَ طَاهِرُ

غَصَبُوا عليًّا حَقَّه إذْ لَمْ يَكُنْ ... بَعْدَ النَّبيِّ لَهُ بِطَيْبَةَ نَاصِرُ

فابْشِرْ فإنَّ غدًا عليه حِسَابُهم ... واصْبِرْ فَنَاصِرُك الإِمامُ النّاصرُ

وقيل - ولم يَصحّ -: إنَّه جَرَّدَ سبعين ألفًا لِنصرته. فجاءه الخبرُ أنَّ الأمر قد فات، فَبَطَل التّجريدُ.

قال ابن الأثير في " تاريخه ": ولم يملك الأفضلُ مملكة قَطُّ إلّا وأخذها منه عمُّه العادل؛ فأوَّل ذلك أنّ أباه أقطعه حَرَّان ومَيَّافَارْقِينَ سَنَة ستّ وثمانين وخمسمائة، فسار إليها، فأرسل إليه أبوه، وردَّه مِن حلب، وأعطى حَرَّان ومَيَّافَارْقِينَ لأخيه الملكِ العادلِ. ثمّ مَلَك الأفضلُ دمشقَ بعدَ والده، فأخذها منه عمُّه العادِلُ في شعبان سَنَة اثنتين وتسعين، ثمّ مَلَكَ مصر بعد أخيه العزيز، فأخذها منه. ثمّ ملك صَرْخَد، فأخذها منه.

قال: وكان مِن محاسن الدُّنيا لم يكن في الملوك مثلُه. كَانَ خيِّرًا، عادلًا، فاضلًا، حليمًا، كريمًا، قلَّ أنْ عاقب على ذنب. إلى أن قال: وبالجملة اجتمعِ فيه مِن الفضائل والمناقب ما تفرَّق في كثيرِ مِن الملوك. لا -[718]- جرم حرم الملك والدّنيا، وعاداه الدّهرُ، ومات بموته كُلُّ خلقٍ جميل وفعلٍ حميد. ولَمّا مات اختلف أولادُه وعَمُّهم قُطْبُ الدِّين.

وقال صاحبُ كتاب " جَني النَّحْل ": حضرتُ يومًا بسُمَيْسَاطَ، وصاحبُها يومئذٍ الأفضل، فنظر إلى صبيّ تُركي لابسٍ زَرَدِيَّة، فقال على البَدِية:

وَذِي قلبٍ جليدٍ لَيْسَ يَقْوَى ... عَلَى هِجْرَانِهِ القَلْبُ الْجَلِيدُ

تَدَرَّعَ للوَغَى دِرْعًا فَأَضْحَى ... وَظَاهِرُه وبَاطِنُه حَدِيدُ

ثمّ أنشدني لنفسه:

أمَا آن للحظِّ الّذي أَنَا طَالِب ... مِنَ الدَّهْرِ يومًا أَن أَُرَى وَهْوَ طَالِبي

وهَلْ يُرِيَنِّي الدَّهْرُ أيدي شيعتي ... تحكم قَهْرًا في نَوَاصِي النَّوَاصِبِ

ولَهُ:

يَا مَنْ يُسوِّد شَعْرَهُ بِخِضَابِهِ ... لَعَسَاهُ في أَهْلِ الشَّبِيبَةَ يحصل

ها فاختضب بسواد حظي مَرَّةً ... ولَكَ الأَمَانُ بأنَّه لا يَنْصُلُ

مات فجاءة في صفر بسميساط؛ وهي قلعةٌ على فالفرات بينَ قلعة الروم ومَلْطيَة، ونُقِلَ إلى حلب، فدُفِنَ بتربة لَهُ بقربِ مشهد الهَرَويّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015