81 - شهاب الدين، السلطان أبو المظفر محمد بن سام الغوري

81 - شهابُ الدّين، السّلطان أَبُو المظفر مُحَمَّد بْن سام الغوريّ [المتوفى: 602 هـ]

صاحب غَزْنة.

قتلته الباطنيَّة - لعنهم الله - في شعبان، وهو أخو السّلطان غياث الدّين أَبُو الفتح مُحَمَّد، المذكور سنة تسعٍ وتسعين، وقد امتدّت أيامهما وافتتحا بلادًا كثيرة، وشَهِدا حروبًا عديدة.

قَالَ أبو الحسن ابن الأثير في " تاريخه ": قُتل السّلطان شهاب الدّين الغوري صاحب غزنة والهند وبعض خُراسان بمُخَيَّمِهِ بعد عَوده من لهاوُر، وذلك أن نَفَرًا من الكُفّار الكوكريَّة لزِموا عسكره عازمينَ عَلَى اغتياله لِما فعل بهم من القَتْل والسَّبْي، فلمّا كانت هذه اللّيلة، تفرَّقَ عَنْهُ أصحابُه، وكان معه من الأموال ما لا يُحصى، فإنّه كَانَ عازمًا عَلَى قصْد الخطَا والاستكثار من العساكر، وتفريق المال فيهم، وكان عَلَى نِيَّة جيّدة من قتال الكفّار، فكان ليلتئذٍ وحده في خركاه، فثار أولئك النّفر، فقتلوا بعضَ الحرس، فصاح المقتولُ، فثار إِلَيْهِ الحرسُ من مواقفهم من حول السّرَادِق لينظروا ما الأمر، وأخلوا مراكزَهم، فاغتنم الكوكريَّة الفرصة، وهجموا عَلَى السّلطان، فضربوه بالسكاكين وخرجوا، فدخل عَلَيْهِ أصحابُه فوجدوه عَلَى مُصلاه قتيلًا وهو ساجد، وأُخِذ أولئك فقُتلوا، وحفظ الوزيرُ والأمراءُ الخزائن، وصَيَّروا السّلطان في مِحَفَّة، وحفّوها بالجسم والصّناجق يُوهمون أَنَّهُ حَيّ. وكانت -[60]- الخزانة على ألفين ومائتي جَمَل، وسارُوا إِلى أن وصلوا إِلى كرمان، وكاد يَتَخَطَّفُهُمْ أهلُ تِلْكَ النّواحي، فخرج إليهم الأميرُ تاج الدّين ألْدُز، فجاء ونزل وقَبَّلَ الأرضَ، وكشف المِحَفَّة، فلمّا رأى السّلطان ميتًا، شقٌ ثيابَه وبكى، وبكى الأمراء وكان يومًا مشهودًا. وكان ألْدُز من أكبر مماليكه وأَجَلّهم، فلمّا قُتل شهاب الدّين، طمع أن يملك غَزْنة، وحُمِل السّلطان إِلى غَزْنة، فدُفِنَ في التّربة الّتي أنشأها. وكان ملكًا شجاعًا غازيًا، عادلًا، حَسَن السّيرة، يحكم بما يُوجبه الشّرع، يُنصِفُ الضّعيفَ والمظلوم، وكان يَحْضُرُ عنده العلماء؛ وقد جاء أنّ الفخر الرّازيّ صاحبَ التّصانيف وعظ عنده مرَّة، فَقَالَ في كلامه: يا سلطان العالم، لا سلطانك يبقى، ولا تلبيس الرازي يبقى " وأن مردنا إلى الله "، فانتحب السّلطانُّ بالبكاء.

استوفى ابن الأثير ترجمته وهذه نُخْبَتُهَا، وقال: كَانَ شافعيًّا كأخيه، وقيل: كَانَ حنفيًّا. ولمّا ملك أخوه غياثُ الدّين باميان، أقطعها ابنَ عمّه شمس الدّين مُحَمَّد بْن مسعود، وزوّجَه بأخته، فولدت منه ولدًا اسمه: بهاء الدّين سام. فلمّا تُوُفّي شمس الدّين وولي باميان بعده ابنُه عبّاس، أخذ غياثُ الدّين منه المُلْك، وأعطاه لابن أخته بهاء الدّين. وعَظُم شأَنُه، وعلا محلُّه، وأحبّه أمراءُ الغُوريَّة. فلمّا قُتل الآن خالُه، سار إليه بعض الأمراء فَعرّفَهُ، فكتب إِلى الأمراء: إنّني واصل. وكتب إِلى علاء الدّين مُحَمَّد بْن عليّ ملك الغوريَّة يستدعيه إِلَيْهِ، وإلى غياث الدّين محمود ابن السّلطان غياث الدّين خاله، وإلى حسين بْن جرميك والي هَرَاة، يأمرهما بإقامة الخُطْبَة لَهُ. وأقام أهل غَزْنة ينتظرونه، ومالت الأتراك الخاصّكيَّة إِلى غياث الدّين ابن أستاذهم، فلمّا سار من باميان ومعه ولداه: علاء الدّين مُحَمَّد، وجلال الدّين، وَجَد صُداعًا فنزل، فقوي بِهِ الصُّداع وعظُم، فأيقن بالموت، فأحضر ولديه، وعَهِدَ إِلى علاء الدّين، وأمرهما بقصد غَزْنة، وضَبْط المُلْك والرفق بالرعية، وبذل الأموال. ثُمَّ مات، فصار ولداه إلى غزنة، فنزلا دار الملك، وتسلْطَنَ علاء الدّين، وأنفق الأموالَ فلم يُطِعه ألدز، وجيش وصار إلى غزنة، فالتقاه عسكر علاء الدّين فانهزموا، وأحاط ألْدُز بالقلعة، وحَصَرَ علاء الدين، ثم نزل بالأمان وحلف له -[61]- ألْدُز، ورَدَّ إِلى باميان في أسوأ حال، فإن الأتراك نهبوه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015