653 - أحمد بن عبد السلام، أبو العباس الكورائي، ويقال فيه: الجراوي. وهو بذلك أشهر، الشاعر البربري.

653 - أَحْمَد بْن عَبْد السّلام، أبو العبّاس الكُوَّرَائيّ، ويقال فِيهِ: الْجَرَاويّ. وهو بِذَلِك أشهر، الشّاعر البربريّ. [الوفاة: 591 - 600 هـ]

وكُوَّرايا: قبيلةٌ من البربر، مَنازلهم بقرب فاس.

كان آية زمانه فِي النَّظْم وحِفْظ الأشعار القديمة والحديثة. جَالسَ عَبْد المؤمن وأولادَه من بعده، وطالت أيامه، وجمع حماسة كبيرةً مشهورةً بالمغرب، أحسَنَ فيها التّرتيب. وكان ظريفًا صاحب نوادر.

ومن شِعْره فِي المنصور أَبِي يعقوب صاحب المغرب:

إنّ الْإِمَام هُوَ الطبيبُ وقد شَفَى ... عِلَلَ البريَّة ظاهرًا ودخيلا

حَمَل البسيطَةَ وهي تحملُ شخصهُ ... كالرّوح يوجد حاملًا محمولا

وله:

مشى اللؤم فِي الدّنيا طريدًا مشرّدًا ... يجوبُ بلادَ اللَّه شرقًا ومَغْرِبا

فلمّا أتى فاسًا تلقّاه أهلُها ... وقالوا له: أهلًا وسهلًا ومرحَبَا

وله مدائح فِي السّلطان عَبْد المؤمن وبنيه.

تُوُفّي سنة بضْعٍ وتسعين وخمس مائة، وقد جاوز الثّمانين.

قال تاج الدّين بْن حَمُّوَيْه: أدركته فرأيت شيخًا حسناً، وقد زاد على العُمْرَيْن، وخضْرم حيث أدرك العَصْرين، وحلبَ من الدّهر الشّطْرين، مدح الكبار، وحصّل أموالًا. وقيل: إنّ يوسف بْن عَبْد المؤمن سألَ: من بالباب؟ فقالوا: أَحْمَد الكُوَّرَائيّ وسعيد الغماريّ. فقال: مِن عجائب الدّنيا، شاعرٌ من -[1236]- كُوَّرايا، وحكيم من غمارة. فبلغ ذلك أَحْمَد، فقال: " وضرب لنا مثلًا ونسي خلقهُ "، أعجب منهما خليفة من كومية. فقال الخليفة يوسف لمّا بلغه ذلك: أُعاقبه بالحلْم والعفْو عَنْهُ، ففيه تكذيبه.

وللكُوَّرائيّ فِي عَبْد المؤمن:

أبرَّ على الملوك فَمَا يُبارى ... همامٌ قد أعاد الحربَ دارا

له الأقدار أنصارٌ، فمهما ... أراد الغزوَ يبتدرُ ابتِدارا

يقدّم للعقاب مقدّمات ... من الإنذار تمنع الاعتذارا

ومضى في القصيدة.

ومن أخرى فِي يوسف بْن عَبْد المؤمن له:

مِن قَيْس عَيْلانَ الّذين سيوفُهُم ... أبدًا تصولُ ظباؤها وتصونُ

وغيوثُ حرْبٍ والنّوالُ سَحَائب ... وليوث حربٍ والرماح عرينُ

ضمِنَتْ لهم أسيافُهُم ورِماحُهُم ... أنْ يكثر المضروبُ والمطعونُ

قد أصْحَروا للنّازلات فَمَا لهُمْ ... إلّا ظهوُر السّابقات حُصونُ

ملكٌ إذا اضطّرب الزمانُ مخافةً ... لم يُغنهِ التّسكينُ والتأمينُ

أشْفَى على الدّنيا فَعفَّ، وغيره ... بَدلالِها وجمَالِها مفتونُ

عُذْرًا أَبَا يعقوب إنّ عُلاكُم ... قد أفنتِ المِدَحات وهي فنونُ

وله يصف الموحّدين:

وَسَادة كأسُودِ الغابِ فَتْكُهُم ... قصدٌ إذا اغتال فِي الهيجاء مُغتالُ

تشوقهم للطّعان الخيلُ إنْ صَهَلَتْ ... كما يشوقُ العميدّ الصَّبَّ أطلالُ

إن سابَقُوا سَبَقُوا، أو حاربوا غَلَبُوا ... أو يمَّموا وصَلوا، أو أملوا نالوا

جادوا، وصالوا، وضاؤوا، واحتبوا، فهم ... مزنٌ وأسدٌ، وأقمارٌ، وأجبالُ

قال تاج الدّين: وتُوُفّي فِي أواخر أيّام السّيد يعقوب عن حالةٍ مَرْضية، وإنابةٍ وزهادةٍ، وإقبال على العبادة. وتناهَى به العُمر إِلَى غاية الهَرَم، وهو على جودة الذّهن، وحُسْن الشِّيَم.

قلت: وقيل: إنه توفي سنة تسع وست مائة بإشبيلية. وسأعيده هناك مختصراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015