522 - عُثْمَان بْن عِيسَى بْن هيجون، أبو الفتح البلطي، الأديب، النَّحْويّ. [المتوفى: 599 هـ]
له مجاميع فِي الأدب، وشِعر. وقد تصدّر بالجامع العتيق بمصر وأفاد.
وحدَّث عن مُحَمَّد بْن أسعد بْن الحكيم العراقيّ.
وقد أقام عُثْمَان البَلَطِيّ بدمشق مدَّةً يتردّد إِلَى الزَّبَدانيّ للتّعليم، فلمّا فُتِحت مصر انتقل إليها، ورتَّب له صلاح الدّين جامكيَّة على جامع مصر.
وكان ضخمّا هائلًا، أحمر اللّون، يَتَطَيْلَس من غير تحنيك، ويلبس الثّياب الكثيرة فِي الحَرّ، ويختفي فِي بيته فِي الشّتاء، حتّى كان يُقَالُ له: أنتَ فِي الشّتاء من حشرات الأرض.
وكان إذا دخل الحمّام دخل بالمزدوجة على رأسه، وأتى الحوض، وكشف رأسه بيده، وأقلب الماء بيده الأخرى. ثُمَّ يبادر، ويغطي رأسه إِلَى أن يملأ الطّاسة، ثُمَّ يكشفه ويصب ويُغطيه. يفعل ذلك مِرارًا. ويقول: أخاف الهواء.
وكان متمكِّنًا من فنون العربيَّة، يخلط المذهبين فِي النَّحْو، ويحُسن القيام -[1174]- بأصولهما وفروعهما.
وكان خليعًا ماجنًا، مُدْمِن الخمر، منهمكًا فِي اللّذَّات.
وله فِي القاضي الفاضل:
للهِ عبدٌ رحيمٌ ... يُدعى بعبد الرحيمِ
على صِراطٍ سَويّ ... من الهدى مستقيمِ
وقال العماد الكاتب: أنشدني البلطيّ لنفسه:
حكّمته ظالمًا فِي مُهجتي فسَطا ... وكان ذلك جَهْلًا شُبتُه بخَطا
هلا تجنّبتُه والظُّلْمُ شِيمته ... ولا أُسام بِهِ خَسْفًا ولا شَطَطا
ومن أضلُّ هُدًى ممّن رأَى لَهَبًا ... فخاض فِيهِ وألقَى نفسَه وسَطا
وله:
دعوه على ضَعفي يجور ويشتطّ ... فما فِي الهوى قبضٌ لديَّ ولا بَسْطُ
ولا تعتِبوه فالعِتاب يَزيده ... مَلالا وأَنَّى لي اصطبارٌ إذا يَسطو
فَمَا الوعْظ فِيهِ والعِتاب بنافعٍ ... وإن يَشرِطِ الإحسان لا ينفع الشَّرْطُ
تنازعَتِ الآرامُ والدّرُّ والمَهًا ... لها شَبَهًا والبدرُ والغُصْن والسَّقْطُ
فلِلرِّيم منه اللَّحْظُ واللَّونُ والطُّلَى ... وللدُّرّ منه اللَّفْظُ والثَّغْرُ والخطُّ
وللغُصنِ منه القد والبدْرُ وجهُهُ ... وعينُ المها عينٌ بها أبدأ يَسْطُو
وللسّقْطِ منهُ ردفهُ فإذا مَشَى ... بدا خلفهُ كالموج يعلُو وينحط
وله القصيدة الّتي يحسنُ فِي قوافيها الرفعُ والنصبُ والْجَرّ. وله موشَّح فِي القاضي الفاضل، وله كتابان في العروض، وله كتاب العِظات المُوقِظات، وله كتاب أخبار المتنبّي، وكتاب فِي أخبار الأجواد، وكتاب التّصحيف والتحريف، وغير ذلك. والله يسامحه.
وعاش خمسًا وسبعين سنة.
وهو من بلد، ويقال: بلط.
أَخَذَ النّحو عن ملك النُّحاة أَبِي نزار، وسعيد ابن الدهان. -[1175]-
وبقي فِي بيته ثلاثة أيّام ميتًا لا يُدرى به.