470 - لؤلؤ الحاجب العادليّ. [المتوفى: 598 هـ]
من كبار الدولة، وله مواقف مشهودة بالسّواحل. وكان مقدَّم الغُزاة حين توجّهوا إِلَى العدوّ الّذين قصدوا الحجاز فِي البحر المالح بعدة مراكب وشوكة ومنعة، وسولت لهم أنفسهم أمرا، فما كان الله ليفعل، بل خذلهم وأرسل لهم الغزاة أدركتهم، فأحاطوا بهم، واستولوا عليهم بأسرهم. وكانت غزوة عظيمة القدر، وقدِموا بالأَسرى إِلَى القاهرة، وكان يومًا مشهودًا.
تُوُفّي لؤلؤ بالقاهرة فِي صَفَر.
قال الموفّق عَبْد اللّطيف: كان شيخًا أرمنيًّا فِي الأصل، من أجناد القصر، وخدم مع صلاح الدين مقدمًا للأسطول. وكان حيثما توجه فتح وانتصر وغنم. أدركتُه وقد ترك الخدمة. وكان يتصدَّق كل يوم باثني عشر ألف رغيف مع قُدُور الطعام. وكان يُضعّف ذلك فِي رمضان، ويضع ثلاثة مراكب، كلّ مركب طوله عشرون ذراعًا مملوءة طعامًا، ويدخل الفقراء أفواجًا، وهو مشدود الوسط، قائم بنفسه، وبيده مغرفة، وَفِي الأخرى جرَّة سَمْن، وهو يُصْلح صفوف الفُقراء، ويقرّب إليهم الطعام، ويبدأ بالرجال، ثُمَّ بالنّساء، ثُمَّ بالصبيان. ومع كَثرتهم لا يزدحمون لِعلمهم أن المعروف يعمّهم. فإذا فرغوا بَسَط سِماطًا للأغنياء يعجز الملوك عن مثله. ولمّا كان صلاح الدّين على حَرّان توجّه فرنج الكَرَك والشَّوْبك لينبشوا الحُجرة النّبوية، وينقلوه إليهم، ويأخذوا من المسلمين جُعْلًا على زيارته، فقام صلاح الدّين لذلك وقعد، ولم يمكنه أن يتزحزح من مكانه، فأرسل إِلَى سيف الدولة ابن مُنقذ نائبه بمصر أنْ جهز لؤلؤا الحاجب. فكلمه فِي ذلك فقال: حسْبُك، كم عددهم؟ قال: ثلاث مائة ونيّف كلّهم أبطال. فأخذ قيودًا بعددهم، وكان معهم طائفة من مرتدَّة العرب، ولم يبق بينهم وبين المدينة إلا مسافة يوم، فتداركهم وبذل الأموال، فمالت إليه العرب للذهب، فاعتصم الفرنج بجبلٍ عالٍ، فصعد إليهم بنفسه راجلًا في تسعة -[1154]- أنفُس، فخارت قوى الملاعين بأمرِ اللَّه تعالى، وقويت نفسه بالله، فسلّموا أنفسهم، فصفّدهم وقدِم بهم القاهرة. وتولّي قتْلهم الفقهاء، والصّالحون، والصُّوفيَّة.