403 - القاسم بْن فِيرة بْن خَلَف بْن أَحْمَد، أَبُو مُحَمَّد وأَبُو القاسم الرُّعَيْنيّ، الأندلسيّ الشّاطبيّ، الضرير، الْمُقْرِئ، [المتوفى: 590 هـ]
أحد الأعلام.
مَنْ جعل كنيته أَبَا القاسم لَمْ يجعل لَهُ اسمًا سواها، وكذلك فعل أبو الحسن السخاوي، والأصح أن اسمه القاسم وكنيته أَبُو مُحَمَّد، كذا سماه جماعة كثيرة.
وذكره ابن الصلاح فِي " طبقات الشافعية ".
وُلِد فِي آخر سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات بشاطبة عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن علي بْن أَبِي العاص الْمُقْرِئ النفزي، المعروف بابن اللَّايُهْ، وارتحل إِلَى بَلَنْسِية فقرأ القراءات، وعرض التيسير حفظًا عَلَى أَبِي الْحَسَن بْن هُذَيْل، وسَمِع منه، ومن: أَبِي الْحَسَن بْن النّعمة، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعادة، وأبي مُحَمَّد بْن عاشر، وأبي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم، وأبي مُحَمَّد عليم بْن عَبْد الْعَزِيز، وأبي عبد اللَّه بن حميد، وارتحل للحج، فسمع من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وغيره.
وكان إمامًا علامةً، نبيلًا، محقِّقًا، ذكيًا، واسع المحفوظ، كثير الفنون، بارِعًا فِي القراءات وعِلَلها، حافظًا للحديث، كثير العناية بِهِ، أستاذًا فِي العربية، وقصيدتاه فِي القراءات والرسم مما يدل عَلَى تبحره، وَقَدْ سار بهما الركبان، وخضع لهما فحولُ الشعراء، وحُذّاق القرّاء، وأعيان البُلغاء، ولقد سهل -[914]- بهما الصَّعْب من تحصيل الفن، وحفظهما خلقٌ كثير، وَقَدْ قرأتهما عَلَى أصحاب أصحابه.
وكان إمامًا قُدوة، زاهدًا، عابدًا، قانتًا، منقبضًا، مَهِيبًا، كبير الشأن، استوطن القاهرة، وتصدَّر للإقراء بالمدرسة الفاضليَّة، وانتفع بِهِ الخلْق، وكان يتوقد ذكاء.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن بْن خيرة ووصفه من قوة الحِفْظ بأمرٍ معجب، وروى عَنْهُ أيضًا: أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَحْيَى الجنجالي، وأَبُو بَكْر بْن وضاح، وأَبُو الْحَسَن عليّ بن هبة اللَّه ابن الجُميزي، وأبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عَبْد الوارث المعروف بابن فار اللبن، وَهُوَ آخر من رَوَى عَنْهُ.
وقرأ عليه القراءات: أَبُو موسى عيسى بْن يوسف بْن إِسْمَاعِيل المقدِسي، وأَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد الشّافعيّ، وأَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد السَّخَاويّ، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عُمَر القُرطبي، والزين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد الْمُقْرِئ الكرديّ، والسديد أَبُو القاسم عِيسَى بْن مكّيّ العامريّ، والكمال عَلِيّ بْن شجاع الْعَبَّاسيّ، الضرير، وأخرون.
فحكى الْإِمَام أَبُو شامة أن أَبَا الْحَسَن السَّخَاويّ أخبره أن سبب انتقال الشّاطبيّ من شاطبة إِلَى مصر، أَنَّهُ أُريد عَلَى أن يُولى الخطابة بشاطبة، فاحتج بأنه قَدْ وجب عليه الحج، وأنه عازمٌ عليه، وتركها ولم يعدُ إليها تورعًا، مما كانوا يُلزمون بِهِ الخُطباء من ذِكرهم عَلَى المنابر بأوصافٍ لَمْ يرها سائغةً شرْعًا، وصبرَ عَلَى فقرٍ شديد، وسَمِع بالثغر منَ السِّلَفيّ، ثُمّ قدِم القاهرة، فطلبه القاضي الفاضل للإقراء بمدرسته، فأجاب بعد شروطٍ اشترطها، وَقَدْ زار البيت المقدس قبل موته بثلاثة أعوام، وصام بِهِ شهر رمضان، قَالَ السَّخَاويّ: أقطعُ بأنه كان مكاشفًا، وأنه سأل اللَّه كفاف حاله ماكان أحدٌ يعلم أيَّ شيءٍ هُوَ.
قَالَ الأَبّار فِي " تاريخه ": تصدَّر للإقراء بمصر، فعظُم شأنه، وبعُد صيته، وانتهت إليه الرياسة فِي الإقراء، ثُمّ قَالَ: وقفتُ عَلَى نسخةٍ من -[915]- إجازته، وحدَّث فيها بالقراءات عَنِ ابن اللايُه، عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد، ولم يحدِّث عَنِ ابن هُذَيْل، قَالَ: وتُوُفّي بمصر فِي الثامن والعشرين من جُمادى الآخرة.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحسين اليونيني ببعلبك: أخبرك أبو الحسن ابن الجميزي، قال: أخبرنا أبو القاسم الرعيني، قال: أخبرنا ابن هذيل، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو داود سليمان بن نجاح، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو عمر ابن عبد البر، قَالَ: أَخْبَرَنَا سعيد بن نصر: قَالَ: حَدَّثَنَا قاسم بن أصبغ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن وضاح، قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى، قال: حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ أو نقوم بالحق حيث ما كنّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّه لَوْمَةَ لائِمٍ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
ومن شِعره:
قلْ للأميرِ نصيحةً ... لا تركننَّ إلى فقيهِ
إن الفقيه إذ أتى ... أبوابكُم لا خيَر فيهِ