323 - يحيى بن عبد الجليل بن مجبر، أبو بَكْر الفِهْريّ، المُرْسِيّ، ثُمَّ الإشبيليّ، شاعر الأندلس فِي زمانه بلا مُدافعة. [المتوفى: 588 هـ]
أَخَذَ الأدب عَنْ شيوخ مُرْسِيَة، ومدح الملوك والأمراء، وشهد لَهُ بقوة عارضته، وسلامة طبْعه، قصائدُهُ البديعة التي سارت أمثالًا، وبعدتُ عَلَى قُربها منالًا.
أَخَذَ عَنْهُ أَبُو القاسم بْن حسان، وغيره.
تُوُفّي بمَرّاكُش ليلة عيد النَّحْر فِي الكهولة.
وقيل: تُوُفّي سنة سبْع الماضية.
وَلَهُ:
لا تغبط المُجْدِبَ فِي عِلمهِ ... وإنْ رأيتَ الخِصْبَ فِي حالهِ
إن الَّذِي ضيَّع من نفسِهِ ... فوقَ الَّذِي ثَمَّرَ من مالهِ
وَلَهُ أيضًا:
إن الشدائدَ قَدْ تَغْشى الكريمَ ... لأنْ تبين فضلَ سجاياه وتوضحُه
كمِبْرَدِ القين إذْ يَعْلُو الحديدَ بِهِ ... وليس يأكُلُهُ إلا ليُصْلحُه
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي " تكملة الصلة " وبالغ في وصفه.
ولأبي بكر بن مجبر ديوان أكثر ما فيه من المديح فِي السّلطان يعقوب صاحب المغرب. فَمنْ ذَلِكَ هَذِهِ القصيدة البديعة:
أتُراه يتركَ الغَزَلا ... وعليه شبَّ واكْتَهَلا
كلفٌ بالغِيد ما عِلقَت ... نفسْهُ السلوانَ مُذ عَقَلا
غير راضٍ عَنْ سجيةِ مَنْ ... ذاقَ طعَمَ الحُبّ ثُمّ سلا
أيُّها اللوامُ ويحكُم ... إن لي عَنْ لَوْمكُم شُغلا
نَظَرَتْ عيني لشِقْوَتِها ... نظراتٍ وافقَتْ أَجَلا
غادةً لما مَثَلْتُ لها ... تَرَكَتْني فِي الهوى مَثَلا
خَشِيَتْ أني سأُحرقُها ... إذْ رأتْ رأسي قَدِ اشتعلا -[865]-
يا سراةَ الحي مثلُكُم ... يتَلافَى الحادثَ الْجَلَلا
قَدْ نزلنا فِي جواركُم ... فشَكَرْنا ذَلِكَ النُّزُلا
ثُمّ واجهْنا ظِباءكُم ... فلقِينا الهَوْلَ والوَهَلا
أَضَمِنْتُم أمْنَ جِيرتكمْ ... ثُمّ ما أمّنْتُمُ السُّبُلا
ليتنا نلقى السيوفَ ولم ... نلقَ تِلْكَ الأعينَ النُّجُلا
أشرعوا الأعطاف مايسةً ... حين أشرعنا القنا الذُّبُلا
واستفزَّتنا عيونُهُم ... فخلعنا البَيْضَ والأَسَلا
نُصروا بالحُسن فانْتَهَبُوا ... كُلّ قلبٍ بالهوى خُذلا
عطَّلَتْني الغِيدُ، مِن جَلَدي ... وأنا حلَّيْتُها الغَزَلا
حملت نفسي على فتنٍ ... سُمْتها صبْرًا فَمَا احتملا
ثُمّ قَالَت سوف نتركها ... سَلَبًا للحب أَوْ نَفَلا
قلتُ: أما وَهْيَ قَدْ علِقَتْ ... بأميرِ المؤمنين، فلا
ما عدا تأميلها ملْكًا ... مَنْ رآه أدْرَكَ الأَمَلا
فإذا ما الجودُ حركَّه ... فاض فِي كفيه فانْهَمَلا
وهي مائة وتسعة أبيات.
وَلَهُ يمدح يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن أيضًا:
دعا الشوقُ قلبي والركائب والركبا ... فلبَّوا جميعًا وَهُوَ أول من لبَّى
وظَلْنا نَشَاوَى للذي بقلوبنا ... نخال الهوى كأسًا وتحَسبُنا شرْبا
أرق نفوسًا عندما نَصِفُ الهَوَى ... وأقسَى قلوبًا عندما نشهدُ الحربا
ويؤلمنا لمعُ البُرُوقِ إذا بدا ... ويصرعُنا نفحُ النسيمِ إذا هبا
يقولون: داوِ القلب تسلُ عن الهوى ... فقلت: لَنِعْمَ الرأيُ لو أن لي قلْبا