321 - نصر بن منصور بن الحسن بن جوشن بن منصور بن حميد، الأمير أبو المرهف النميري الشاعر المشهور.

321 - نَصْر بْن مَنْصُور بْن الْحَسَن بْن جوشن بْن مَنْصُور بْن حُمَيد، الأمير أَبُو المُرْهَف النُّمَيْرِيّ الشاعر المشهور. [المتوفى: 588 هـ]

من أولاد أمراء العرب، وأُمّه بنَّة بِنْت سالم بْن مالك بْن بدران بْن مقلد بْن مُسيَّب العُقَيْليّ.

وُلِد بالرافقة سنة إحدى وخمسمائة، ونشأ بالشام، وخالط أهل الأدب، وقال الشعر الفائق وَهُوَ مراهق. وأصابَه جُدّريّ وَلَهُ أربع عشرة سنة، فضعف بصره، فكان لا يُبصر إلا شيئًا قريبًا منه. ثُمَّ وقع الاختلاف بَيْنَ عشيرته بعد موت والده، واختل أمرهم. فسار إلى بغداد طامعًا فِي مداواة عينيه، فآيسه الأطباء من ذَلِكَ، فاشتغل بالقرآن فحفظه، وتفقه عَلَى مذهب أَحْمَد، وقرأ العربية عَلَى أَبِي منصور ابن الجواليقي.

وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، ويَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقي، وعبد الوهاب الأَنْماطيّ.

وقوّض ما تبقّى من بصره من ألمٍ أصابه، وصحِب الصالحين والأخيار، -[862]- ومدح الخلفاء والوزراء.

وكان فصيح القول، حسن المعاني، وفيه دِين وتسنُّن.

رَوَى عَنْهُ عُثْمَان بْن مقبل، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ويوسف بْن خليل، ومُحَمَّد بْن سَعِيد الدُّبِيثيّ، وعلي بْن يوسف الحمّاميّ، وآخرون.

قَالَ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أحمد القَطِيعيّ: منع الوزير ابن هُبَيْرة الشعراء من إنشاد الشعر بمجلسه، فكتب النُّمَيْرِيّ إِلَيْهِ قصيدة، فكتب الوزير عليها: هَذَا لو كَانَ الشعراء كلهم مثله فِي دِينه وقوله لَمْ يُمنعوا، وإنما يقولون ما لا يحل الإقرار عليه، وَهُوَ فالصَّديق، وما يذكره يوقف عليه، ورسومه تزاد.

قُلْتُ: وَفِي ديوانه عدة قصائد مدح بها المقتفي لأمر اللَّه، فَمنْ ذَلِكَ:

جوًى بَيْنَ أثناء الحشاء ما يزايلُه ... ودمعٌ إذا كفكفته لجَّ هاملُهْ

يضيق لبُعد النازلين عَلَى الشَّرى ... بمرفض دمع العين مني سائلُه

وهل أنسين الحيَّ من آل جندلِ ... تجاوَب ليلًا بُزله وصواهلُه

تُبوئهُ الثَّغرَ المخُوف محلّه طوالُ ... ردينياته ومناصلُه

وتقتنص الأعداءَ جهْرًا رجالُه ... كَمَا اقتنصت حر باز شهب أجادلُه

وكنت أرى أنّي صبورٌ عَلَى النَّوى ... فَلَمَّا افترقنا غالَ صبري غوائلُه

أفُرسان قيسٍ من نُميرٍ إذا القنا ... تولّج لبّاه الكُماة عواملُه

هَلِ السَّفْح من نجم المعاقل بالشرى ... عَلَى العهدِ منكم أمْ تعفَّت منازلُه؟

وهل ما يُقضى من زمان اجتماعنا ... بمردوده أسحارهُ وأصائلُه

بكم يأمن الجاني جريرة ما جنى ... ويَرْوي منَ الخُطى فِي الحرب ناهلُهْ

وأوهن طولُ البُعد عنكم تجلُّدي ... وغادر ليلي سَرْمَدًا متطاولُه

ولم أتّخِذْ إلْفًا منَ النّاس بعدكم ... وهل يألف الْإِنْسَان مَنْ لا يُشاكله

وَلَهُ فِيهِ:

لولا القنا والصوارم الخدمُ ... ما أقلعتْ عَنْ عنادها العجمُ

توهَّموا المُلك بالعراق وما ... شارفه مُسْلَمَ الحمَى لهمُ

وما دروا أنَّ دون حَوْزِتهِ ... مِنَ المنايا لأمرهِ خدمُ

تتابعوا في عجاجتي لجبٌ ... تضيف عَنْهُ البطاحُ والأكمُ

لا يحسبون الإمامَ من مُضرٍ ... مرصده للعِدى بِهِ النقمُ -[863]-

حَتَّى إذا أبصروا كتائبَه ... حاروا فَمَا أقدموا ولا انهزموا

وقد تلقاهم بمرهفةٍ ... ما برحت من غمودها القممُ

فناشدوهُ الأمانَ والتزموا ... لأمره الطاعَة التي التزموا

وردَّ عَنْهُمْ عقابَه ملكٌ ... شِيمتُه العفْو حين يحتكمُ

للَّه دَرّ النّفوس هاديةً ... إذا أناسٌ عَنِ الرشاد عًمُوا

هُوَ الدّواء الَّذِي تزول بِهِ ... عَنِ القلوب الشكوك والتهمُ

ما ابتسمت والخطوب مظلمة ... إلا انْجلَتْ بابتسامتها الظلمُ

يسمع إنشادها إذا ارْتَحَلَتْ ... غرائبُ الموت مَنْ بِهِ صَمَمُ

وَلَهُ:

يزهدني فِي جُمَيْع الأنام ... قلةُ إنصافِ مَن يُصحبُ

وهل عرف النّاس ذو نُهية ... فأمسى لهم فيهمُ مأربُ

هم الناس ما لم تجربهمُ ... وطُلسُ الذئاب إذا جُربوا

ولَيْتَكَ تَسْلَمُ عِنْد البعادِ ... منهم فكيف إذا قُربوا؟

أنْشَدنا مُحَمَّد بن علي الواسطي، قال: أنشدنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: أنشدنا نصر بْن مَنْصُور لنفسه:

أُحب عليًّا والبَتُولَ ووُلْدَها ... ولا أجحد الشَّيخيْن حقَّ التقدمِِ

وأبرأُ مِمَّنْ نال عُثْمَانَ بالأَذَى ... كَمَا أتبرأ من ولاء ابنِ مُلجمِ

ويُعجبني أهلُ الحديثِ لصِدْقِهم ... مَدَى الدَّهر فِي أفعالهم والتكلمِ

تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ربيع الآخر، وَلَهُ ثمانٌ وثمانون سنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015