103 - محمد بن عبد الملك. الأمير شمس الدين ابن المقدم.

103 - مُحَمَّد بْن عَبْد الملك. الأمير شمس الدّين ابن المقدَّم. [المتوفى: 583 هـ]

من كبار أمراء الدّولتين النُّوريَّة والصّلاحيَّة. وَهُوَ الَّذِي سلَّم سنْجار إلى نور الدّين، وسكن دمشق. فَلَمَّا تُوفي نور الدّين كان أحد من قام بسلطنة ولد نور الدّين. ثُمَّ إن صلاح الدّين أَعْطَاه بِعْلَبَكّ، فتحوَّل إليها وأقام بها. ثُمَّ عصى عَلَى صلاح الدّين، فجاء إِلَيْهِ وحاصره، وأعطاه عِوَضها بعض القلاع. ثُمَّ استنابه عَلَى دمشق سنة نيفٍ وثمانين.

وكان بطلًا شجاعًا، محتشمًا. وَقَدْ حضر فِي هَذَا العام وقعة حِطّين، وفُتُوح عكّا، والقدس، والسّواحل. وتوجَّه إلى الحج فِي تجمُّل عظيم، فَلَمَّا بلغ عَرَفَات رفع علم صلاح الدّين وضرب الكوسات، فأنكر عليه طاشتِكِين أمير الركْب العراقيّ وقَالَ: لا يُرفع هنا إلّا علم الخليفة. فلم يلتفت إِلَيْهِ، -[765]- وأمر غلمانَه فرموا علمَ الخليفة، وركب فيمن معه منَ الْجُنْد الشّامّيين، وركب طاشتِكِين، فالتقوا وَقُتِلَ بينهما جماعة. وجاء ابن المقدَّم سهمٌ فِي عينه، فخرّ صريعًا. وجاء طاشتِكِين فحمله إلى خيمته وخيط جَراحه، فُتُوفّي منَ الغد بمِنَى يوم الأضحى. ونُهِب الركْب الشّاميّ.

قَالَ العماد الكاتب: وصَل شمسُ الدّين عَرَفَات، وما عرف الآفات، وشاع وصوله، وضُربت طبوله، وجالت خيوله، وخفقت أعلامه، وضُربت خيامه، فغاظ ذَلِكَ طاشتِكِين، فركب فِي أصحابه، فأوقع بشمس الدّين وأترابه، وَقُتِلَ جماعة وجُرحوا.

قَالَ: ودُفن بالمُعلى، وارتاع طاشتِكِين لِمَا اجْتَرَمه، وأخذ شهادة الأعيان أنّ الذَّنْبَ لابن المقدّم. وقُرئ المحضر فِي الديوان. ولمّا بلغ السّلطان مقتلُهُ بكى وحزن عليه وقَالَ: قتلني اللَّه إنْ لَمْ أنتصر لَهُ. وتأكَّدت الوحْشة بينه وبين الخليفة. وجاءه رسولٌ يعتذر، فَقَالَ: أَنَا الجواب عمّا جرى. ثُمَّ اشتغل بالجهاد عَنْ ذَلِكَ.

وقَالَ ابن الأثير: لما فُتح بيت المَقْدِس طلب ابن المقدّم منَ السّلطان إذْنًا ليحجّ ويُحرم منَ القدس، ويجمع فِي سَنَته بَيْنَ الجهاد والحجّ، وزيارة الخليل والرسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِما وَسَلَّمَ. وكان قَدِ اجتمع بالشّام ركبٌ عظيم، فحج بهم ابن المقدّم. فَلَمَّا كَانَ عشيَّةَ عرَفة، أمر بضرب كوساته ليتقدم للإفاضة، فأرسل إِلَيْهِ مُجير الدّين طاشتِكِين ينهاه عَنِ التّقدُّم، فأرسل إِلَيْهِ: إني لَيْسَ لي معك تعلُّق، وكلٌّ يفعلُ ما يراه. وسار ولم يقف. فركب طاشتِكِين فِي أجناده، وتبِعه منَ الغَوْغاء والطّمّاعة عالمٌ كبير، وقصدوا حاجّ الشّام، فَلَمَّا قربوا خرج الأمر عَنِ الضَّبْط، فهجم طماعةُ العراق عَلَى الشّاميّين وفتكوا فيهم، وقتلوا جماعة، ونُهبت أموالهم. وجُرح ابن المقدَّم عدَّة جراحات. وكان يكفُّ أصحابه عن القتال، ولو أذن لهم لانتصف منهم، ولكنه راقب اللَّه وحُرمة المكان واليوم، فَلَمَّا أُثخن بالجراحات أخذه طاشتِكِين إلى خيمته، وأنزله عنده ليمرّضه ويستدرك الفارط، فمات منَ الغد، ورُزق الشّهادة بعد الجهاد، رحمه اللَّه. -[766]-

قُلْتُ: وَلَهُ دارٌ كبيرة إلى جانب مدرسته المقدَّمية بدمشق، ثُمَّ صارت لصاحب حماه، ثُمَّ صارت لقراسنقُر المنصوريّ، ثُمَّ صارت للسّلطان الملك الناصر بعده. وله تربة ومسجد وخان مشهور داخل باب الفراديس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015