36 - مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عُمَر بْن أَبِي عِيسَى أَحْمَد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد، الحافظ الكبير أَبُو مُوسَى المديني، الأصبهاني، [المتوفى: 581 هـ]
صاحب التصانيف وبقيَّة الأعلام.
وُلد فِي ذِي القعدة سنة إحدى وخمسمائة.
وسَمِع حضورًا فِي سنة ثلاثٍ باعتناء والده من أَبِي سعد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المطرِّز، ومات المطرز في شوال سنة ثلاثٍ وخمسمائة. وسمع من أبي منصور محمد بْن مَنْدَويْه الشُّروطي، وغانم البُرْجيّ، وأبي علي الحداد، وأبي الفتح مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه خوروست، -[739]- وأبي الفتح مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الشرابي بِليزة، وأبي الرجاء مُحَمَّد بْن أَبِي زَيْد الجركاني، ومُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن المطهر العدنانيّ، وأبي الفضل مُحَمَّد بْن طاهر الحافظ، ومُحَمَّد بْن الفضل القرابي القصار، وأبي الرجاء أَحْمَد بْن عبد اللَّه بْن مَنْدَهْ، وإِبْرَاهِيم بْن أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبروَيْه، وإِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي ذر الصالحانيّ، وإِسْمَاعِيل بْن الفضل الإخشيد، وأبي القاسم إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن الفضل الحافظ وبه تخرَّج وَهُوَ أستاذه، وإسحاق بْن أَحْمَد الراشتينانيّ، وتميم بْن عَلِيّ الواعظ، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وحمزة بْن الْعَبَّاس العَلَويّ، وأبي شكر حمد بْن عَلِيّ الحبال، وحبيب بن أبي مسلم الزاهد، ورجاء بْن إِبْرَاهِيم الخباز، وطَلْحَة بْن الْحُسَيْن الصالحاني، وطاهر بن أحمد البزاز، وأبي نهشل عبد الصمد بن أحمد العنبري، وعبد الكريم بْن عَلِيّ بْن فُورجة، وعَبْد الواحد بْن مُحَمَّد الدَّشْتَج، وعُثْمَان بْن عَبْد الرحيم اللّبيكيّ، النَيْسابوريّ، وعلي بْن عَبْد اللَّه النَيْسابوريّ الواعظ يرويان عَنِ ابن مسرور؛ وغانم بْن عَلِيّ العَطَّار مشكة، ومحمود بن إسماعيل الصيرفي الأشقر، ونصر بن أبي القاسم الصباغ، ونوشروان بن شيرزاد الديلمي، وهبة اللَّه بن الحسن الأبرقوهي، وهبة اللَّه بن الحصين، سَمِع منه " المسند "؛ وهبة اللَّه ابن الطبر الحريري، وهادي بْن إِسْمَاعِيل العَلَويّ، والهيثم بْن مُحَمَّد المعداني، ويحيى بْن عَبْد الوهَّاب بْن مَنْدَهْ الحافظ، وخُجسْتَه بِنْت عَلِيّ بْن أَبِي ذر، ودَعْجاء بِنْت أَبِي سهل الكاغّديّ، وفاطمة الْجُوزدانيَّة، وأبي العز بْن كادش، وخلْق كثير ببلده، وببغداد، وهَمَذَان.
وصنّف التّصانيف النَّافعة. وكان واسع الدائرة فِي معرفة الْحَدِيث، وعلله، وأبوابه، ورجاله، وفنونه، ولم يكن فِي وقته أحدٌ أحفظ منه، ولا أعلم، ولا أعلى سندًا مِمَّنْ يعتني بهذا الشأن.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ: عاش حَتَّى صار أوحَدَ وقته وشيخ زمانه إسنادًا وحفظًا.
وقال أبو سعد السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه وكتب عني، وَهُوَ ثقة صدوق. -[740]-
قلت: وروى عنه الحَافِظ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن موسى الحازمي، والحافظ عَبْد الغني، والحافظ عَبْد القادر الرُهَاوي، والحافظ مُحَمَّد بْن مكي، وعبد العظيم بْن عَبْد اللطيف الشرابي، والْحَسَن بْن أَبِي مَعْشر الأصبهاني، والناصح ابن الحنبليّ، وأَبُو نجيح مُحَمَّد بْن مُعَاوِيَة مقرئ أصبهان، وخلْق كثير.
وبالإجازة: الفقيه مُحَمَّد اليُونينيّ، وعبد اللَّه ابن الخُشوعيّ، وآخرون.
وكانت رحلته إلى ابن الحُصَيْن سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
ثُمَّ قَدم بغداد ثانيًا فِي سنة اثنتين وأربعين، وعاد إلى بلده وأقبل عَلَى التَّصنيف والإملاء وتعليم العِلم والأدب.
ومن مصنَّفاته الكتاب المشهور فِي " تتمَّة معرفة الصّحابة " الَّذِي ذيَّل بِهِ عَلَى أَبِي نُعَيْم، يدل عَلَى تبحره وحِفْظه، وكتاب " الطوالات " مجلدان، وكتاب " تتمَّة الغريبين " يدل عَلَى براعته فِي اللغة والغريب، وكتاب " الوظائف "، وكتاب " اللطائف " وكتاب " عوالي التّابعين "، وغير ذَلِكَ.
وعَرَض من حِفْظه كتاب " علوم الْحَدِيث " للحاكم عَلَى إِسْمَاعِيل الحافظ.
قَالَ الحافظ عَبْد القادر: إنّ أبا مُوسَى حصّل منَ المسموعات بأصبهان خاصة ما لَمْ يحصل لأحدٍ فِي زمانه فيما أَعْلم، وانضمّ إلى كثرة مسموعاته الحِفْظ والإتقان. ولَهُ التَّصانيف التي أربى فيها عَلَى تصانيف بعض من تقدَّمه، مَعَ الثقة فيما يَقُولُ، وتعففه الَّذِي لم نره لأحد من حفاظ الحديث في زماننا، له شيء يسير يتربح به وينفق منه، ولا يقبل من أحد شيئا قط، حتى إنه كان ببعض قرى أصبهان رجل من أهل العلم والدين أراد أن يحج حج نافلة، فجاء جماعة إلى الحافظ أَبِي مُوسَى فسألوه أن يشفع إِلَيْهِ فِي قعوده عَنِ الحج لما يرجون منَ الانتفاع بإقامته، فخرج معهم إلى القرية راكبًا عَلَى حمار، فأجابه إلى ذَلِكَ، فحملوا إلى أَبِي مُوسَى شيئًا منَ الذَّهب، فلم يقبله. فقالوا: فرقه في -[741]- أصحابك. فقال: فرِّقوه أنتم إن شئتم.
وحدَّثني بعضُ مَن رحل بعدي إلى أصبهان أن رجلًا منَ الأغنياء أوصى إلى الشَّيْخ أَبِي مُوسَى بمالٍ كثيرٍ يفرقه فِي البرّ، فلم يقبل، وقَالَ: بل أوص إلى غيري، وأنا أدلك إلى مَن تدفعه إِلَيْهِ. ففعل. وفيه منَ التَّواضع بحيث أَنَّهُ يُقْرئ كُلّ من أراد ذَلِكَ من صغيرٍ وكبير. ويرشد المبتدئين، حَتَّى رَأَيْته يحفظ صبيانًا القرآن فِي الألواح. ولا يكاد يستتبع أحدًا إذا مضى إلى موضع، حَتَّى إنني تبعته مرَّةً فَقَالَ: ارجِع. ثُمَّ تبِعتُه، فالتفت إليَّ مُغضبًا وقَالَ لي: ألم أقُلْ لك لا تمش خلفي، أنتَ إذا مشيت خلفي لا تنفعني، وتبطل عَنِ النَّسْخ؛ وتردّدتُ إِلَيْهِ نحوًا من سنة ونصف، فَمَا رَأَيْت منه ولا سَمِعْتُ عَنْهُ سَقْطةً تُعاب عليه.
وقَالَ مُحَمَّد بْن محمود الرُّوَيْدَشْتيّ: تُوُفّي الحافظ أَبُو مُوسَى فِي تاسع جُمادى الأولى. وكان أَبُو مَسْعُود كُوتاه الحافظ يَقُولُ: أَبُو مُوسَى كنزٌ مَخْفِيّ.
وقَالَ الْحُسَيْن بْن يَوْحن الباوري: كنتُ فِي مدينة الخان فجاءني رَجُل فسألني عَنْ رؤيا، قَالَ: رَأَيْت كَأَنّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفّي. فقلت: هَذِهِ رؤيا الكبار، وإنْ صَدَقَتْ رؤياك يموت إمام لا نظير لَهُ فِي زمانه. فَإِن هَذَا المنام رُئِيَ حالةَ وَفاة الشافعي والثَّوريّ وأحمد بْن حنبل. قَالَ: فَمَا أمسينا حَتَّى جاءنا الخبر بوفاة الحافظ أبي موسى.
وعن عبد اللَّه بْن مُحَمَّد الخُجَنْدِيّ قَالَ: لما مات أبو موسى لم يكادوا يفرغون حَتَّى جاء مطر عظيم فِي الحَرّ الشديد، وكان الماء قليلًا بأصبهان.