249 - عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر، العلامة أبو محمد ابن الخشاب النحوي.

249 - عَبْد اللَّه بْن أحْمَد بْن أحمد بْن أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن نصر، العلامة أبو محمد ابن الخشّاب النَّحْويّ. [المتوفى: 567 هـ]

شيخ بغداد ونحْويّ البلاد يقال: إنّه بلغ فِي النَّحْو درجة أَبِي عَلِيّ الفارسيّ. وكانت لَهُ معرفة تامَّة بالحديث، واللّغة، والهندسة، والفلسفة، وغير ذَلِكَ.

أخذ عَنْ أَبِي منصور ابن الجواليقيّ، وأبي بَكْر بْن جوامرد القطّان النحوي، وعلي بن أبي زيد الفصيحي، وأبي السعادات هبة الله ابن الشجري، والحسن بن علي المحولي اللغوي، حتى أحكم العربية.

وكان مولده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة. وسمع من أبي القاسم الربعي، وأبي الغنائم النرسي، وأبي زكريا بن مَنْدَهْ، وغيرهم. ثم طلب بنفسه، وقرأ الكثير. وسمع من أبي عبد الله البارع، وابن الحصين، وابن كادش، وأبي غالب ابن البناء. وقرأ العالي والنازل إلى أن قرأ عَلَى أقرانه. وكان لَهُ كُتُب كثيرة إلى الغاية.

وروى الكثير، وتخرَّج بِهِ خلْقٌ فِي النَّحْو. وحدَّث عَنْهُ أَبُو سعد السَّمْعانيّ، وذكره فِي " تاريخه " فقال: شابّ كامل، فاضل، لَهُ معرفة تامَّة بالأدب، واللّغة، والنَّحْو، والحديث، يقرأ الحديث قراءةً حسنة، صحيحة، سريعة، مفهومة. سَمِعَ الكثير بنفسه، وجمع الأُصول الحِسان من أيّ وجهٍ، وكان يضنّ بها. سَمِعْتُ بقراءته من أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وابن السَّمَرْقَنْدِيّ، -[364]- وسمعت بقراءته مجلّداتٍ من " طبقات ابن سعد ". وكان يُديم القراءة طول النّهار من غير فُتُور.

قلت: كَانَ عمره إذ ذاك أربعين سنة.

قَالَ: وسمعت أَبَا شجاع عُمَر البِسْطاميّ يَقُولُ: لمّا دخلت بغداد قرأ علي ابن الخشاب " غريب الحديث " لأبي محمد القتبي قراءةً ما سَمِعْتُ قبلَها مثلها فِي الصّحة والسُّرْعة. وحضر جماعةٌ من الفُضَلاء، وكانوا يريدون أن يأخذوا عَلَيْهِ فلْتَةَ لسانٍ فما قَدَرُوا.

قَالَ ابن السَّمعانيّ: كتبت عَنْهُ جزءًا رَوَاهُ عَنِ الرَّبَعيّ، وسألته عَنْ مولده فقال: أظنّ أنه في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.

وقال ابن النّجّار: إنّه أخذ الحساب والهندسة عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الْأَنْصَارِيّ، وأخذ الفرائض عَنْ أَبِي بَكْر المَزْرَفيّ. وكان ثقة. ولم يكن فِي دينه بذاك.

قلت: روى عَنْهُ أيضًا: أَبُو اليُمْن الكِنْديّ، والحافظ عبد الغني، وعبد العزيز ابن الأخضر، وأبو أحمد ابن سُكَيْنَة، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، ومحمد بْن عماد الحَرّانيّ، وأبو البقاء العُكْبَرِيّ، وأبو الْحَسَن علي بن نصر الجلي؛ وهو شيخهما فِي النَّحْو وشيخ الفخر أَبِي عبد الله ابن تَيْمية الخطيب.

وقرأت بخطّ أَبِي مُحَمَّد بْن قُدَامة: كَانَ ابن الخشّاب إمام أهل عصره فِي عِلم العربيَّة، وحضرت كثيرًا من مجالسه، لكن لم أتمكّن من الأكثار عَنْهُ لكثرة الزّحام عَلَيْهِ، وكان حَسَن الكلام فِي السُّنَّة وشرحها.

قلت: وكان ظريفًا مزّاحًا عَلَى عادة الأدباء؛ قَالَ ابن الأخضر: كنت عنده وعنده جماعة من الحنابلة، فسأله مكي الغراد فقال: عندك كتاب الجبال؟ فقال: يا أَبْلَه ما تَراهم حولي؟

وقال ابن النّجّار: سَمِعْتُ بعضهم يَقُولُ: سَأَلَ ابنَ الخشّاب واحدٌ من تلامذته: القفا يُمَدّ أو يُقْصَر؟ فقال: يُمَدّ ثم يقصر.

قال: وبلغني أنه أتاه اثنان ليعرضا عَلَيْهِ شِعرًا قالاه، فسمع من أحدهما، فقال للآخر: هُوَ أردأ شِعْرًا منك. فقال: وكيف ولم تسمع شِعري؟ قَالَ: لأنّ -[365]- شِعره لا يمكن أن يكون أردأ منه. وسأل بعض تلامذته: ما بك؟ فقال: فؤادي. فقال: لو لم تهمزْهُ لم يُوجِعّك.

قَالَ: وبلغني أنّ بعض المعلّمين قرأ عَلَيْهِ قول العَجّاج:

أَطَرَبًا وأنت فِنَّسْرِيُّ ... وإنّما يأتي الصِّبّا الصبي

فجعله الصبي بالياء، فقال لَهُ: هذا عندك فِي المكتب! فاستحيا.

وله فِي الشّمعة:

صفراءُ لا من سَقَمٍ مَسَّها ... كيفَ وكانت أُمُّها الشّافِيَهْ

عُرْيانةٌ باطِنُها مُكْتَسٍ ... فأعْجَبُ لها كاسِيَةً عارِيَهْ

قَالَ ابن النّجّار: وسمعت حمزة القُبَّيْطيّ يَقُولُ: كَانَ ابن الخشّاب يتعّمم بالعمامة، وتبقى عَلَى حَالها مدَّةً حتّى يَسْوَدّ ما يلي رأسَه منها، وتتقطّع من الوسخ، وترمي عليها العصافيرُ ذَرْقَها، فيتركه على حاله.

قال: وسمعت أبا محمد ابن الأخضر أنّ ابن الخشّاب ما تزوَّج قطّ ولا تسرى، وكان قذرًا يستقي بجرة مكسورًة، ولما مرض أتيناه نَعُوده، فوجدناه فِي أسوأ حالٍ من وَسَخِ الثّياب وقذر مكانه وعدم الغذاء، فأشرنا على القاضي أبي القاسم ابن الفرّاء بأن ينقله إلى داره، فنقله وأسكنه فِي بيتٍ نظيف، وألبسه ثوبًا نظيفًا، وأحضر الأشربة والماء ورد، فوجد راحةً وخفَّة، فأشهدنا بوقف كُتُبه، فاستولى عليها بيت العطّار، وباعوا أكثرها، وتفرقت حتّى بقي عشْرها، فتُرِك برباط المأمونيَّة.

قَالَ ابن النّجّار: كَانَ رحمه اللَّه بخيلًا، متبذلًا فِي ملبسه ومَطْعَمه، ويلبس قَذرًا، ويلعب بالشّطرنج عَلَى الطّريق، ويقف عَلَى المُشعبِذ وأصحاب القرود، ويكثر المُزَاح.

وقد صنَّف الرّدّ عَلَى الحريريّ فِي مواضع من " المقامات "، وشرح " اللُّمَع " لابن جنّيّ ولم يُتمّه، وشرح " مقدّمة " الوزير ابن هُبَيْرة فِي النّحْو، وصنَّف الرّدّ عَلَى أَبِي زكريّا التّبْريزيّ فِي تهذيبه " لإصلاح المنطق ".

وقال جمال الدّين القفطي: كان مطرحًا للتكلف، وفيه بذاذة، ويقف عَلَى الحلَق، ويقعد للشّطرنج أَيْنَ وَجَدَه، وكلامه أجود من قلمه. وكان ضيّق -[366]- العطن، ما صنَّف تصنيفًا فكمَّله. شرح " الْجُمَل " للجرجاني، وترك أبوابًا في وسط الكتاب وأقرأ هذا المصنف وهو عَلَى هذه الصّورة، ولم يعتذر عَنْهُ.

قَالَ ابن النّجّار: سَمِعْتُ أَبَا بَكْر المبارك بْن المبارك النَّحْويّ يَقُولُ: كَانَ أَبُو مُحَمَّد ابن الخشّاب يحضر دائمًا سوق الكُتُب، فإذا نوديَ عَلَى الكتاب يريد أن يشتريه أخَذَه وطالَعه، واستغفل الحاضرين، وقطع ورقةً، ثمّ يَقُولُ إنّه مقطوعٌ ليشتريه برُخْص، فإذا اشتراه أعاد الورقة فِي بيته.

قَالَ: وكان لَهُ إيوان كبير ملآن من الكُتُب والأجزاء، فكان إذا استعار شيئًا وَطُلِبَ منه يَقُولُ: قد حصل بين الكُتُب فلا أقدر عَلَيْهِ.

قلت: إنْ صحّ هذا فلعلّه تاب والله يغفر لَهُ.

قَالَ ابن الْجَوْزيّ: دخلت عَلَيْهِ في مرْضه وقد يئس من نفسه، فقال لي: عند اللَّه أحتسب نفسي. وتُوُفّي يوم الجمعة ثالث رمضان. ودفن يوم السّبت. وحدَّثني عَبْد اللَّه بْن أبي الفرج الجبائي الرجل الصّالح قَالَ: رَأَيْته فِي النّوم بعد موته بأيّام، ووجهه مضيء، فقلت لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: غُفِر لي وأدخلني الجنَّة، إلّا أَنَّهُ أعرضَ عنّي. فقلت لَهُ: أعرض عنك؟ فقال: نعم، وعن جماعة من العلماء تركوا العمل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015