147 - شاوَر بْن مجير بْن نزار بْن عشائر، السّعديّ الهَوَازنيّ، أبو شجاع ملك الدّيار المصريَّة ووزيرها. [المتوفى: 564 هـ]
كان الملك الصالح طلائع بن رزيك قد ولّاه إمرة الصَّعيد، ثمّ ندم عَلَى توليته حيث لا ينفع النَّدَم، ثمّ إنّ شاوَر تمكن فِي الصّعيد، وكان شجاعًا، فارسًا شَهْمًا، وكان الصّالح لمّا احتضر قد وصّى لولده رُزّيك أن لا يتعرَّض -[318]- لشاوَر ولا يهيجه، وجرت أمور، ثمّ إنّ شاوَر حشد وجمع وأقبل مِن الصّعيد عَلَى واحات، واخترق البرّيَّة إلى أن خرج من عند تَرُوجَة بقرب إسكندريَّة، وتوجّه إلى القاهرة ودخلها، وقتل العادل رُزّيك بْن الصّالح، ووَزَرَ للعاضد.
ثمّ إنّه توجَّه إلى الشّام، وقدِم دمشقَ فِي سنة ثمانٍ وخمسين مستنجدًا بالسّلطان نور الدّين عَلَى عدوّه، فأنجده بالأمير أسد الدين شِيركُوه بعد أربعة عشر شهرًا، فسيّره معه، فمضى واستردّ لَهُ منصبه، فلمّا تمكَّن قَالَ لأسد الدّين: اذهب فقد رُفع عنك العناء، وأخلفه وعده، فأنف أسد الدّين وأضمر السّوء لَهُ، وكان شاوَر قد استعان بالفرنج، وحارب بهم المسلمين، وقدِمُوا عَلَى حَمِيَّة، فخافهم أسد الدّين وتحصَّن منهم ببلبيس شهورًا، وبقي بها محصورًا حتّى ملّت الفرنج من حصاره، فبذلوا لَهُ قطيعةً يأخذها وينفصل عَنْ بلبيس.
واغتنم نور الدّين تلك المدَّة خُلُوَّ الشّام من الفرنج، وضرب معهم المُصَافّ عَلَى حارِم، وأسر ملوكهم، وهي سنة تسعٍ وخمسين.
وَقُتِلَ شاوَر فِي ربيع الآخر سنة أربع، وكان المباشِر لقتله عزّ الدّين جرديك النوري.
وقال الروحي: إن السّلطان صلاح الدّين ابن أخي أسد الدّين هُوَ الَّذِي أوقع بشاوَر، وكان فِي صُحبة عمّه أسد الدّين، وقيل: كَانَ قتله إيّاه فِي جُمادَى الأولى، وذلك أنّ أسد الدّين تمارضَ، فَعَاده شاوَر، وكان صلاح الدّين قد كمن لَهُ فخرج عَلَيْهِ، ففتك بِهِ.
ولعُمارة اليَمنيّ فِيهِ:
ضجِر الحديدُ من الحديدِ وشاوَرٌ ... فِي نصر دين مُحَمَّدٍ لم يَضْجَرِ
حَلَفَ الزّمانُ لَيَأْتِيَنَّ بِمِثْلِهِ ... حَنَثَتْ يمينُكَ يا زمانُ فَكَفِّرِ
وله فِي شاوَر عندما ظفر ببني رُزّيك وجلس فِي الدَّسْت:
زالت ليالي بني رُزّيَك وانصرمَتْ ... والحمدُ والذّمُّ فِيهَا غير مُنْصَرِمِ
كأنّ صالِحَهُم يومًا وعادلهم ... في صدر ذا الدست لم يقعد ولم يقم -[319]-
كُنَّا نظنّ وبعض الظّنّ مأثمةٌ ... بأنّ ذَلِكَ جمْعٌ غيرُ منهزِمِ
فَمُذْ وقعتْ وقوعَ النَّسْر خَانَهمُ ... مَن كَانَ مجتمعًا من ذَلِكَ الرَّخَمِ
ولم يكونوا عدوًّا ذَلَّ جانبُهُ ... وإنّما غَرقوا فِي سيلك الْعَرِمِ
وما قصدْتُ بتعظيمي عِداك سوى ... تعظيم شأَنك فاعذرْني ولا تلُمِ
ولو شكرتُ لياليهم محافظةً ... لعهدها لم يكن بالعهد من قِدَم
ولو فتحتُ فمي يومًا بذمّهِمُ ... لم يَرض فضلك إلّا أن يسدّ فمي
قال الفقيه عُمارة: فشكرني شاوَر وأمراؤه عَلَى الوفاء لهم.