61 - عَبْد الهادي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مأمون، أَبُو عَرُوبَة السِّجِسْتانيّ الزّاهد [المتوفى: 562 هـ]
شيخ الصُّوفيَّة وإمام سِجِسْتان.
يُحَوَّل من الماضية إلى هنا، فإنّ فيها ورَّخه الحافظ يوسف بْن أحمد الشّيرازيّ، وقَالَ: كَانَ للمذهب رُكْنًا وثيقًا، ولأهل الحديث حصنًا منيعًا، وكان صلْبِ الدّين، خَلَف جدَّه وخالَه فِي الرّدِّ عَلَى المبتدعين، وكانت أوراده تستغرق ليله ونهاره، ومناقبه لا تنتهي حتّى يُنتهى عَنْهَا.
وقد سمع عنه الحفاظ لما حج كأبي مسعود كوتاه، وأبي العلاء العطار، وابن ناصر.
رحل إليه الحافظ عبد القادر، فأكثر عَنْهُ، وقال: سَمِعَ الحديث من -[278]- جدّه عَبْد اللَّه سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة، وحج، وسمع " المسند " من ابن الحُصَيْن، وبلغني أَنَّهُ لمّا حجّ قرأ عَلَيْهِ ابن ناصر " مسلسلات أبى حاتم ابن حِبّان "، وكان زاهدًا، ورِعًا متواضعًا، كثير النّوافل، سريع الدَّمْعَة، حَسَن الأخلاق، عاش تسعًا وثمانين سنة ما عُرِفت لَهُ زلَّة، وكان منتشر الذِّكْر فِي البلاد القاصية بحُسْن السّيرة، وكان لَهُ رِباطٌ ينزل فِيهِ كلُّ من أراد من القادمين، ووقف عَلَيْهِ نصف قرية، فكان لا يتناول من ذَلِكَ شيئًا، بل يجعله فِي نفقة الرباط، ويتعيَّش بغُلَيْلَةٍ لَهُ يسيرة، ومات وعليه دَيْن؛ هذا مَعَ سعة جاهه بسِجِسْتان، حتّى عند بعض مخالفيه، بَلَغَنَا موتُه وأنا بِهَرَاة بعد مفارقتي لَهُ بقليل، فأُغلِقتْ أسوارُ هَرَاة، ومُنِع الوُعّاظ من الوعْظ، وجلس كُبراء هَرَاة من العلماء والرؤساء، والعمّال فِي الجامع عليهم ثيابُ العَزَاء، وجلس واعظ وذكر مناقبه، وبكى النّاس عَلَيْهِ، كنت يومًا عنده، فجاء إنسان فجعل يحدِّثنا بدخْل بغداد، فتعجّب وقال: سبحان اللَّه، إنسانٌ يعيش حتّى يشيخ، ولا يرى فِي يد أحدٍ عشرة دنانير! قلت: ولا رَأَيْت فِي يدك عشرة دنانير؟ قَالَ: ولا خمسة، وكان يعظ فِي رباطه، فلمّا جئت إلى عنده قال: الآن أريد أن أشتغل بالحديث، فلم يعِظْ مدَّة مُقامي، وكان قد وَلِيَ سِجِسْتان أميرٌ معتزِليّ، فقَصَد الشَّيْخ، فخرج من سِجِسْتان إلى هَرَاة، وتلقَّوْهُ مُلْتَقًى حَسَنًا، ونزل فِي رباط شيخ الْإِسْلَام، وكان لَهُ ابنٌ يقال لَهُ عَبْد المعزّ، سَمِعَ مَعَ أَبِيهِ من أَبِي نصر هبة الله بن عبد الجبار بن فاخر، وكان أعلم من أَبِيهِ، وقريبًا منه فِي السّيرة والعقل والوقار والحُرْمة عند النّاس، فلم يعش بعد أَبِيهِ طائلًا، سَمِعْتُ رجلًا بسِجِسْتان يَقُولُ: خبرت أهل سِجِسْتان لَيْسَ فيهم أَدْيَن من عَبْد الهادي وأولاده، وكان لديانته قد فوض إليه الوقف وإمامة الجامع، وكان لا يقدر أحدٌ من المخالفين يُصلّي فِي الصّفّ الأوّل من الجامع من غَلَبَة أصحابه، مَعَ قِلَّتهم وكثرة المخالفين، ومساعدة السّلطان لمخالفيه.
قلت: تُوُفّي فِي هذه السنة إن شاء اللَّه، فإنّ فيها كَانَ عَبْد القادر بهَرَاة، وقد شهد عزاءه.
وأجاز لنا أبو زكريا يحيى ابن الصيرفي الفقيه وغيره، قالوا: أخبرنا -[279]- عبد القادر، قال: أخبرنا أبو عَرُوبة عَبْد الهادي. . . فذكر أحاديث.