382 - أوحد الزمان الطبيب، واسمه هبة اللَّه بْن عليّ بْن مَلْكا، أبو البَرَكات البَلَديّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
ووُلِدَ ببَلَد وسكن بغداد، وكان يهوديًا فأسلم فِي أواخر عمره، وخدم المستنجد بالله.
قال الموفَّق أَحْمَد بْن أبي أُصَيبعة: تصانيفه فِي غاية الْجَوْدة، وكان له اهتمامٌ بالغ فِي العلوم وفطرة فائقة. وكان مبدأ تعلمه الطب أن أبا الحسن سَعِيد بْن هبة اللَّه كان له تصانيف وتلامذة، ولم يكن يقرئ يهوديّا، وكان أوحد الزمان يشتهي الاجتماع به والتعلم منه، وثقل عليه بكلّ طريق فما مكّنه، فكان يتخادم للبوّاب ويجلس فِي الدِّهْليز، بحيث يسمع جميع ما يقرأ على أبي الحسن. فَلَمّا كان بعد سنةٍ جرت مسألة وبحثوا فيها، فلم يتجه لهم عنها جوابًا، وبقوا متطلعين إلى حلها، فلما تحقق ذلك منهم أبو البركات، دخل وخدم الشَّيْخ، وقال: يا سيّدنا، بإذنك أتكلّم فِي هذه المسألة؟ فقال: قل. -[191]-
فأجاب بشيء من كلام جالينيوس، وقال: يا سيدنا، هذا جرى فِي اليوم الفُلانيّ، فِي ميعاد فلان، وحفظته. فبقي الشيخ متعجبا من ذكائه وحرصه، واستخبره عن المكان الَّذِي كان يجلس فِيهِ، فأعلمه به فقال: من يكون بهذه المثابة ما نمنعه؟ وقرّبه وصار من أجَلّ تلاميذه. وكان ببغداد مريض بالمالِيخُولْيا، بقي يعتقد أنّ على رأسه دنًّا، وأنه لا يفارقه، وكان يتحايد السُّقُوف القصيرة، ويطأطئ رأسَه، فأحضره أبو البَرَكات عنده، وأمر غلامه أنّ يرمي دنًّا بقرب رأسه، وأن يضربه بخشبة يكسره، فزال ذَلِكَ الوهْم عن الرجل وعُوفي، واعتقد أنّهم كسروا الدّنّ الَّذِي على رأسه. ومثل هذه المداواة بالأمور الوهميَّة مُعْتَبَر عند الأطبّاء. وقد أضر أبو البركات في آخر عمره، وكان يملي على الجمال بْن فَضْلان، وعلى ابن الدّهّان المنجّم، وعلى يوسف والد عبد اللطيف، وعلى المهذب ابن النّقّاش كتاب " المعتبر ". وقيل: إنّ سبب إسلامه أنه دخل يومًا إلى الخليفة، فقام الحاضرون سوى قاضي القُضاة، فلم يقُم له لكَوْنه يهوديًّا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان القاضي لم يوافق الجماعة لكونه يرى أني على غير مِلَّته، فأنا أُسْلم بين يدي أمير المؤمنين، ولا أتركه ينتقصني. وأسلم. خلّف أوحد الزّمان أبو البركات ثلاث بنات، وعاش نحو ثمانين سنة.
وحدَّثني نجم الدين عمر بن محمد ابن الكُرَيْديّ قال: كان أوحد الزّمان وأمين الدّولة ابن التّلميذ بينهما معاداة، وكان أوحد الزّمان لما أسلم يتنصل من اليهود ويلعنهم، فحضر فِي مَجْمَعٍ فقال أوحد الزّمان: لعن اللَّه اليهود. فقال ابن التّلميذ: نعم وأبناء اليهود. فوجم لها أوحد الزّمان ولم يتكلّم. وله كتاب " المعتبر "، وهو في نهاية الجودة في الحكمة التي هي دين الفلاسفة، ومقالة فِي سبب ظهور الكواكب ليلًا واختفائها نهارًا، و " اختصار التشريح "، وكتاب " أقرباذين "، ومقالة في الدواء الذي ألفه وسماه برشعثا، ورسالة فِي العقل وماهيّته وغير ذَلِكَ.
من تلامذته: المهذب بن هبل.
مات سنة أربع وتسعين وخمس مائة.