293 - محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم بن رفاعة، سديد الدولة الشيباني، المعروف بابن الأنباري،

293 - مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الكريم بْن رفاعة، سديد الدّولة الشَّيْبَانيّ، المعروف بابن الأنبَاريّ، [المتوفى: 558 هـ]

كاتب الإنشاء بالدّيوان العزيز.

أقام بديوان الإنشاء خمسين سنة، وناب فِي الوزارة، ونُفِّذ رسولًا إلى ملوك الشَّام وخُراسان، وكان ذا رأي وتدبير وحسن سيرة، وكانت بينه وبين أبي مُحَمَّد الحريريّ مصنَّف "المقامات" رسائل قد دُوِّنَت.

حدُّث عن ابن الحُصَيْن، وأبي مُحَمَّد ابن السَّمَرْقَنْديّ، وسمع من أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخيّاط، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن نصر القَيْسرانيّ بعضَ شِعْرهما. سمع منه أَحْمَد بْن صالح بْن شافع، والمبارك بْن عَبْد اللَّه بْن النَّقُّور، وعبد المحسن بْن خطْلخ.

وعاش نيِّفًا وثمانين سنة. وشيّعه ابن هُبَيْرة الوزير فَمَن دونه، وكان رائق اللّفْظ، بليغ الكتابة، مليح الخطّ.

وقد مدحه إِبْرَاهِيم الغزّيّ، وأبو بَكْر الأرجاني، ومحمد بن نصر القيسراني، وللأرجاني فيه أشعار لو دونت لجاءت مجلدة وسطى. وله قصَّة فِي كتابته للإنشاء، فأنبأني أَحْمَد بْن سَلامة، عن أَحْمَد بْن طارق أنه سمع سديد الدّولة ابن الأنبَاريّ يقول: كتب إلي صديقي هبة الله ابن السَّقَطيّ المحدِّث سنة ستٍّ وخمس مائة رُقْعةً، وقد مات كاتب الإنشاء ابن رضوان:

قُلْ لسديد الدولة المجتبى ... في الأصل والأفضال والمغرس

قد عنت لرتبة فانهض لها ... واخطب جديدا كتبة المجلس -[153]-

فكتبت على ظهرها:

يا من حوى مع فضله همَّةً ... بغير ثوب الشُّكر لا تكتسي

أرهقت عزمي في طلاب العلا ... أن رغبوا فِي كاتب مُفْلِس

ودفعتها إلى الرَّسُول، وكان صَبيًّا، فخرج فِي الحال، فاجتاز بباب العامَّة والرُّقعة بيده، والخطّ رطْب، فأخذ تُرابًا ينشّفه، فصادف ابن الحلوانيّ صاحب الخبر فقال: يا صبيّ ما هذه الرُّقْعة؟ قال: كَتَبَها ابن السَّقْطيّ إلى سديد الدّولة ابن الأنبَاريّ. فكتب نُسختها وعرضها على الإمام المستظهر بالله، فَلَمّا كان من الغد إذا رُقْعة ظهير الدِّين صاحب المخزن جاءتني إلى داري، يذكر فيها: إن رأي التَّجشُّم إلى داره التي أَنَا ساكُنها لألقي إليه ما رُسِم فقل إن شاء اللَّه، فركبتُ إليه فِي الحال، فحين دخلت قام متمثّلًا وقال للجماعة: الخلْوة، فانصرفوا، فقال: أمير المؤمنين يهدي إليك السّلام ويقول: قد رغِبْنا فِي كاتبٍ مُفْلس. فقلت فِي الحال: التّصريح بطلب الرُّتّب ما لا يقتضيه الأدب، فقلدت يومئذ ديوان الإنشاء، وأنعم علي بالخلع والمواهب.

قلت: وكان عمره يومئذٍ خمسًا وثلاثين سنة.

وأنبأني أحمد، عن ابن طارق، قال: حَدَّثَني سديد الدّولة أنّ الحريريّ صاحب " المقامات " كتب إليه رقعة، فكتب إليه في الحال بديهًا:

أهلًا بمن أهدى إليَّ صحيفةً ... صافَحْتُها بالرّوح لا بالرّاحِ

وتَبَلَّجَتْ فتأرَّجَتْ نَفَحَاتها ... كالمَسْك شيب نسيمه بالرّاح

فكتب إليَّ جواب هذه: لقد صَدَقَتْ رُواةُ الأخبار: أنْ معِدن الكتابة الأنبار.

وقد ذكر وفاته ابن الأثير فِي " الكامل " فِي سنة خمسٍ وثلاثين، والنسخة سقيمة فلعل بدل "تُوُفّي": "عُزِل" أو نحوه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015