171 - عيسى ابن الظافر إسماعيل ابن الحافظ عبد المجيد بن محمد ابن المستنصر بالله العبيدي، الفائز بنصر الله أبو القاسم،

171 - عيسى ابن الظافر إسماعيل ابن الحافظ عبد المجيد بن محمد ابن المستنصر بالله العُبَيْديّ، الفائز بنصْر اللَّه أبو القَاسِم، [المتوفى: 555 هـ]

خليفة مصر. -[95]-

بُويع بالقاهرة يوم قُتِلَ والده وله خمسُ سِنين، وقيل: بل سنتان، فحمله الوزير عَبَّاس على كتفه، ووقف في صحن الدار به، مُظهِرًا الحزن والكآبة، وأمر أنّ يدخل الأمراء، فدخلوا، فقال لهم: هذا ولد مولاكم، وقد قتل عَمّاهُ مولاكم، وقد قتلتُهُما كَمَا تَرَوْن به، والواجب إخلاص الطّاعة لهذا الطِّفْل. فقالوا كلّهم: سمِعْنا وأَطَعْنا. وضجّوا ضجَّةً واحدةً بذلك، ففزع الطفل، وبال على كتِفِ عَبَّاس من الفَزَع. وسمّوه الفائز، وسيّروه إلى أمه، واختلّ عقله من تلك الصَّيْحة فيما قيل، فصار يتحرّك فِي بعض الأوقات ويصرع. ولم تبق على يد عَبَّاس يدٌ، ودانت له الممالك.

وأمّا أهل القصر فإنّهم اطَّلعوا على باطن القضيَّة، فأخذوا فِي إعمال الحيلة فِي قتل عَبَّاس وابنه، فكاتبوا طلائع بْن رزُيّك الأرمنيّ والي منية بني خصيب، وكان معروفًا بالشّجاعة والرأي، فسألوه النُّصْرَة، وقطعوا شُعور النِّسْوان والأولاد، وسيّروها فِي طيّ الكتاب، وسوّدوا الكتاب. فَلَمّا وقف عليه اطلَع من حوله من الْجُنْد عليه، وأظهر الحُزْن، ولبس السّواد، واستمال عرب الصّعيد، وحشد وجمع. ثُمَّ كاتَبَ أمراء القاهرة فِي الطَّلَب بدم الظّافر، فوعدوه بما يحبّ، فسار إلى القاهرة، فَلَمّا قرُب خرج إليه الأمراء، والْجُنْد، والسُّودان، وبقي عَبَّاس فِي نفرٍ يسير، فهرب هُوَ وابنه وغلمانه والأمير أسامة بْن منقذ. وقيل: هُوَ الَّذِي أشار عليهما بقتل الظافر، والعلم لله؛ فنقل ابن الأثير قال: اتّفق أنّ أسامة بْن منقذ قَدِمَ مصر، فاتّصل بعبّاس، وحسَّن له قتْل زوج أمّه العادل عليّ بْن السلار فقتله، وولاه الظّافر الوزارة، فاستبدَّ بالأمر، وتمّ له ذلك. وعلم الأمراء أنّ ذلك من فِعل ابن منقذ، فعزموا على قتْله، فخلا بعبّاسٍ وقال له: كيف تصبر على ما أسمع من قبيح القَول مِن النّاس: أنّ الظّافر يفعل بابنك نصر؟ وكان من أجمل النّاس، وكان ملازمًا للظّافر. فانزعج لذلك فقال: كيف الحيلة؟ قال: اقتله فيذهب عنك العار. فاتفق مع ابنه على قتله.

وقيل: إنَّ الظّافر أقطع نصر بْن عَبَّاس قَلْيُوب كلَّها، فدخل وقال: أَقْطَعَني مولانا قليوب. فقال ابن مُنْقذ: ما هِيَ فِي مَهْرك بكثير. فجرى ما ذكرناه. -[96]-

وهربوا فقصدوا الشَّام على ناحية أيْلَة فِي ربيع الأوّل سنة تسعٍ وأربعين. وملك الصّالح طلائع بْن رُزِّيك ديار مصر من غير قتال، وأتى إلى دار عَبَّاس المعروفة بدار الوزير المأمون ابن البطائحيّ التي هِيَ اليوم المدرسة السيُّوفيَّة الحنفيَّة، فاستحضر الخادم الصّغير الَّذِي كان مع الظّافر لمّا نزل سرًّا، وسأله عن الموضع الَّذِي دفن فِيهِ الظّافر، فعرَّفه به، فقلع البلاطة التي كانت عليه، وأخرج الظافر ومَن معه من المقتولين، وحُمِلوا، وقُطَّعَت عليهم الشُّعور، وناحوا عليهم بمصر، ومشى الأمراء قُدّام الجنازة إلى تربة آبائه، وتكفّل الصّالح بالصّغير ودبّر أحواله.

وأمّا عَبَّاس ومن معه، فإن أخت الظافر كاتبت إفرنج عسقلان الذين استولوا عليها من مُدَيْدةٍ يسيرة، وشَرَطَتْ لهم مالًا جزيلًا إذا خرجوا عليه وأخذوه. فخرجوا عليه، فواقَعَهُم، فَقُتِلَ عَبَّاس، وأُخِذت أمواله، وهرب ابن منقذ فِي طائفةٍ إلى الشَّام. وأرسلت الفرنج نصر بْن عَبَّاس إلى مصر فِي قفص حديد. فَلَمّا وصل تسلّم رسولهم المال، وذلك فِي ربيع الأوّل سنة خمسين. ثُمَّ قُطِعت يد نصر، وضُرِب ضربًا مُهْلكًا وقُرِض جسمه بالمقاريض، ثُمَّ صُلِب على باب زَويْلة حيًّا، ثُمَّ مات. وبقي مصلوبًا إلى يوم عاشوراء سنة إحدى وخمسين، فأُحرِقت عظامه. وهلك الفائز في رجب سنة خمسٍ، وهو ابن عشر سِنين أو نحوها.

وقيل: إن الملك الصالح ابن رُزِّيك بعث إلى الفرنج يطلب منهم نصر بْن عَبَّاس، وبذل لهم أموالًا، فَلَمّا وصل سلّمه الملك الصّالح إلى نساء الظافر، فأقمن يضربْنه بالقباقيب واللّوالك أيّامًا، وقطَّعْن لحمه، وأطعمنه إيّاه إلى أنّ مات، ثُمَّ صُلِب.

ولمّا مات الفائز بالله بايعوا العاضد لدين اللَّه أبا محمد عبد الله بن يوسف ابن الحافظ عبد المجيد بن محمد ابن المستنصر العُبَيْديّ، ابن عمّ الفائز، وأجلسه الملك الصالح طلائع بن رزيك على سرير الخلافة، وزوجه بابنته. ثم استعمل الصالح على بلد الصعيد شاور البدوي الذي وزر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015