قدِم فِي أواخر سنة خمسين إلى بغداد السّلطان سُلَيْمَان شاه بْن مُحَمَّد بْن مِلكْشاه مستجيرًا بالخلافة، فخرج لتلقَيه ولد الوزير عون الدِّين، ولم يترجَّل أحدٌ منهما للآخر ولم يحتفل بمجيئه لتمكن الخليفة وقوَّته، وكَثرة جيوشه. فَلَمّا كان فِي نصف المحرَّم استُدعي إلى باب الحجرة، وحلف على النُّصْح ولُزوم طاعة أمير المؤمنين، ثُمَّ خُطِب له فِي آخر الشهر، وذُكر فِي الخطبة بعد اسم السّلطان سَنْجر ولُقب بألقاب أبيه. وفي وسط صَفَر أُحضِر وألبس الخلعة والتّاج والسِّوَارَيْن، وقرّر بأنَّ العراق لأمير المؤمنين، ولا يكون لسليمان شاه إلا ما يفتحه من بلاد خُرَاسان. ثُمَّ خرج، فقدّم له الخليفة عشرين ألف دينار ومائتي كر، وخلع على أمرائه، ثُمَّ سار الخليفة ومعه سُلَيْمَان شاه إلى أنّ وصل حُلْوان، ونفذ معه العسكر.
وفيها، فِي رمضان، هرب السّلطان سَنْجر بْن مِلكشاه من يد الغُزّ فِي جماعة من الأمراء، فساروا إلى قلعة تِرْمِذ، فاستظهر بها على الغُزّ. وكان خُوارزم شاه أتْسِز هُوَ والخاقان مُحَمّود بْن مُحَمَّد ابن أُخت سَنْجَر يقاتلان الغُزّ، والحرب بينهم سجال، فذلت الغُزّ بموت عَلَى بك، وكان أشد شَيْءٍ على السّلطان سَنْجَر وعلى غيره، ثُمَّ مضت الأتراك الفارغلية إلى خدمة سنجر، وتجمع له جيش ورُدَّ إلى دار ملكه مَرْو، فكانت مدَّة أسْره مع الغز إلى أنّ رجع إلى دست سلطنته ثلاث سنين وأربعة أشهر.
وفيها، كَمَا قال أبو يَعْلَى التّميميّ، كانت بالشّام زلازل عظيمة، انهدم -[8]- كثير من مساكن شَيْزَر على أهلها. وأمّا كَفَرْطاب فهرب أهلُها منها خوفا على أرواحهم، وأمّا حماه فكانت كذلك.
قلت: وقد ذكر ابن الْجَوْزيّ الزّلزلة كَمَا يأتي فِي سنة اثنتين، فبالغ ونقل ما لم يقع.
قال حمزة: وفي رمضان وصل الملك نور الدِّين إلى دمشق من حلب بعد أن تفقّد أحوالها وهذّبها. وفي شوّال تقرّرت الموادعة بينه وبين ملك الفرنج سنة كاملة، وأنّ المقاطعة المحمولة إليهم من دمشق ثمانية آلاف دينار صورية. وكتبت الموادعة بذلك، وأكدت بالأيمان، فبعد شهرين غدرت الفرنج لوصول نجدة فِي البحر، ونهضوا إلى الشغراء من ناحية بانياس، وبها جشارات الخيول، فاستاقوا الجميع، وأسروا خلقًا.
وفيها كثُر الحريق ببغداد، ودام أَيَّامًا ووقع في تسعة دروب سماها ابن الجوزي.
وفيها سافر أمير المؤمنين إلى ناحية دُجَيل بعد قدومه من حلوان وخرج يتصيد.
وانضاف إلى سليمان شاه ابن أخيه مِلكشاه وألْدَكز وتحالفوا، فسار لقتالهم مُحَمَّد شاه، فعملوا مصافّا فانتصر مُحَمَّد شاه، ووصل إلى بغداد من عسكرها خمسون فارسًا بعد أنّ خرجوا ثلاثة آلاف، ولم يُقتل منهم أحدٌ، إنما نُهِبوا، وأُخذت خيولهم، وتشتّتوا. وردّ سُلَيْمَان شاه فِي حالة نحسةٍ، فخرج عليه أمير الموصل، فقبض عليه وطلعه إلى القلعة. وسار مُحَمَّد شاه يقصد بغداد، فوصل إلى ناحية بَعْقُوبا، وبعث إلى كَوْجُك، فتأخّر عَنْهُ، فانزعجت بغداد، وأُحضِرت العساكر، واستعرضهم الوزير.
وفيها تسلّم نور الدِّين بَعْلَبَكّ.