25 - جَرِيرُ ابْنُ الْخَطَفَى، وَهُوَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرِ بْنِ سَلَمَةَ، أَبُو حَزْرَةَ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ [الوفاة: 101 - 110 ه]
الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ.
مَدَحَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الأُمَوِيِّينَ، وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهَى وَإِلَى الْفَرَزْدَقِ فِي حُسْنِ النَّظْمِ، فَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ جَرِيرًا وَمَا يَضُمُّ شَفَتَيْهِ مِنَ التَّسْبِيحِ، فَقُلْتُ: مَا يَنْفَعُكَ هَذَا وَأَنْتَ تَقْذِفُ الْمُحْصَنَاتِ! فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ حقٌ.
وعن بشار قَالَ: كَانَ جَرِيرٌ يُحْسِنُ ضُرُوبًا مِنَ الشِّعْرِ لا يُحْسِنُهَا الْفَرَزْدَقُ.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِيُّ، عَنْ يُونُسَ قَالَ: كَانَ الْفَرَزْدَقُ يَتَضَوَّرُ وَيَجْزَعُ إِذَا أَنْشَدَ لِجَرِيرٍ، وَكَانَ جَرِيرٌ أَصْبَرَهُمَا. -[22]-
قَالَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ: أَجْمَعَ أَهْلُ الشَّامِ على جرير والفرزدق، وَالأَخْطَلُ دُونَهُمَا، وَمِمَّنْ فَضَّلَ جَرِيرًا عَلَى الْفَرَزْدَقِ: ابْنُ هَرِمَةَ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ هِلالٍ.
قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: قَالَ الْفَرَزْدَقُ لامْرَأَتِهِ النَّوَّارِ: أَنَا أَشْعَرُ أَمِ ابْنُ الْمَرَاغَةِ؟ قَالَتْ: غَلَبَكَ عَلَى حُلْوِهِ وَشَرِكَكَ فِي مُرِّهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ: ذَاكَرْتُ مَرْوَانَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ، فَقَالَ:
ذَهَبَ الْفَرَزْدَقُ بِالْفَخَارِ وَإِنَّمَا ... حُلْوُ الْقرِيضِ وَمُرُّهُ لجرير
هشام ابن الْكَلْبِيِّ، عَنِ أَبِيهِ، أَنَّ أَعْرَابيًّا مَدَحَ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ فَأَحْسَنَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: تَعْرِفُ أَهْجَى بيتٍ فِي الإِسْلامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَوْلُ جَرِيرٍ:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نميرٍ ... فَلا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلا كِلَابَا
قَالَ: أَصَبْتَ، فَهَلْ تَعْرِفُ أَرَقَّ بَيْتٍ قِيلَ فِي الإِسْلامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَوْلُ جَرِيرٍ:
إِنَّ الْعُيُونَ الَّتِي فِي طَرْفِهَا مَرَضٌ ... قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمْ يُحْيِينَ قَتْلانَا
يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لا حَرَاكَ بِهِ ... وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللَّهِ أَرْكَانَا
قَالَ: أَحْسَنْتَ، فَهَلْ تَعِرفُ جَرِيرًا؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ وَإِنِّي إِلَى رُؤْيَتِهِ لَمُشْتَاقٌ، قَالَ: فَهَذَا جَرِيرٌ، وَهَذَا الأَخْطَلُ، وَهَذَا الْفَرَزْدَقُ، فَأَنْشَأَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ:
فَحَيَّا الإِلَهُ أَبَا حَزْرَةٍ ... وَأَرْغَمَ أَنْفَكَ يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به ... ودق خياشمه الجندل
فَأَنْشَأَ الْفَرَزْدَقَ يَقُولُ:
بَلْ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفًا أَنْتَ حَامِلُهُ ... يَا ذَا الْخَنَا وَمَقَالِ الزُّورِ والخطل
ما أنت بالحكم الترضى حُكُومَتَهُ ... وَلا الأَصِيلُ وَلا ذِي الرَّأْيِ وَالْجَدَلِ.
فَغَضِبَ جَرِيرٌ وَقَالَ أَبْيَاتًا، ثُمَّ وَثَبَ فَقَبَّلَ رَأْسَ الأَعْرَابِيِّ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ -[23]- الْمُؤْمِنِينَ جَائِزَتِي لَهُ، وَكَانَتْ كُلَّ سَنَةٍ خَمْسَةُ عَشْرَ أَلْفًا، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَلَهُ مِثْلُهَا مِنِّي.
قَالَ نَفْطَوَيْهِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُزَنِيُّ أَنَّ جَارِيَةً قَالَتْ لِلْحَجَّاجِ: يَدْخُلُ عَلَيْكَ جَرِيرٌ فَيُشَبِّبُ بِالْحُرُمِ، قَالَ: مَا عَلِمْتُهُ إِلا عَفِيفًا، قَالَتْ: فَأَخْلِنِي وَإِيَّاهُ، فأخلاهما، فقالت: يا جرير، فنكس رأسه، وقال: هاأنذا، قَالَتْ: بِاللَّهِ أَنْشِدْنِي قَوْلَكَ:
أُوَانِسُ أَمَّا مَنْ أَرَدْنَ عَنَاءَهُ ... فعانٍ وَمَنْ أَطْلَقْنَ فَهُوَ طَلِيقُ
دَعَوْنَ الْهَوَى ثُمَّ ارْتَمَيْنَ قُلُوبَنَا ... بِأَسْهُمِ أعداءٍ وَهُنَّ صَدِيقُ
فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ هَذَا وَلَكِنِّي الْقَائِلُ:
وَمَنْ يَأْمَنُ الْحَجَّاجَ أَمَّا نَكَالُهُ ... فصعبٌ وَأَمَّا عَهْدُهُ فَوَثِيقُ
يُسِرُّ لَكَ الْبَغْضَاءَ كُلُّ منافقٍ ... كَمَا كُلُّ ذِي دينٍ عَلَيْكَ شَفِيقُ
وَلِجَرِيرٍ:
يَا أُمَّ نَاجِيَةَ السَّلامُ عَلَيْكُمُ ... قَبْلَ الرَّحِيلِ وَقَبْلَ يَوْمِ الْمَعْدَلِ
لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ آخِرَ عَهْدِكُمْ ... يَوْمَ الرَّحِيلِ فَعَلْتُ مَا لَمْ أَفْعَلِ
تُوُفِّيَ جَرِيرٌ سَنَةَ عشرٍ وَمِائَةٍ بَعْدَ الْفَرَزْدَقِ بِشَهْرٍ.