23 - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عبد الله، الإمام أبو محمد المقرئ، النَّحْويّ، [المتوفى: 541 هـ]
سِبط الزَّاهد أَبِي منصور الخيّاط، وإمام مسجد ابن جَردة، وشيخ القرّاء بالعراق.
وُلِد في شعبان سنة أربع وستين وأربعمائة، وتلقّن القرآن من أبي الحسن ابن الفاعوس، وسمع من: أبي الحسين ابن النَّقُّور، وأبي منصور محمد بْن محمد العُكْبَريّ، وطِراد الزَّيْنبيّ، ونصر بْن البَطِر، وثابت بْن بُندار، وجماعة، وقرأ العربية على أبي الكَرَم بْن فاخر، وسمع الكُتب الكبار. -[785]-
وصنّف المصنفات في القراءات مثل المبهج، و" الكفاية "، و" الاختيار "، و" الإيجاز ".
وقرأ القرآن عَلَى جدّه، وعلى: الشّريف عبد القاهر بْن عبد السّلام المكّيّ، وأبي طاهر بْن سِوار، وأبي الخطّاب بْن الجرّاح، وأبي المعالي ثابت بْن بُندار، وأبي البَرَكات محمد بْن عبد اللَّه الوكيل، والمقرئ المعمّر يحيى بْن أحمد السِّيبِيّ صاحب الحمّاميّ، وابن بدران الحلْوانيّ، وأبي الغنائم محمد بن علي النرسي، وأبي العز القلانسي، وغيرهم.
وتصدر للقراءات والنحو، وأمّ بالمسجد المذكور من سنة سبع وثمانين وأربعمائة إلى أن تُوُفّي، وقرأ عَلَيْهِ خلْق وختم عليه ما لا يُحصى، قاله أبو الفرج ابن الْجَوزيّ، وقال: قرأتُ عَلَيْهِ القرآن والحديث الكثير، ولم أسمع قارئًا قطّ أطيب صوتًا منه، ولا أحسن أداء عَلَى كِبَر سِنّه، وكان لطيف الأخلاق، ظاهر الكياسة والظّرافة وحُسن المعاشرة للعوام والخواص.
قلت: وكان عارفًا باللّغة، إمامًا في النَّحْو والقراءات وعللها، ومعرفة رجالها، وله شِعْر حَسَن.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ متواضعًا، متودّدًا، حَسَن القراءة في المحراب، خصوصًا في ليالي رمضان، كان يحضر عنده النّاس لاستماع قراءته، وقد تخرَّج عليه جماعة كبيرة، وختموا عَلَيْهِ القرآن، وله تصانيف في القراءات، وخولف في بعضها، وشنّعوا عَلَيْهِ، وسمعتُ أنّه رجع عَنْ ذَلكَ، والله يغفر لنا وله، كتبت عنه، وعلقت عنه من شعره، فمنه:
ومن لم تؤدّبه اللّيالي وصَرْفها ... فما ذاك إلّا غائب العقْل والحسِّ
يظنّ بأنّ الأمر جارٍ بحُكمه ... وليس له علم، أيُصبح أم يُمسي
وله:
أيّها الزّائرون بعد وفاتي ... جَدَثًا ضمّني ولحدًا عميقا
سترون الذي رأيت من المو ... ت عيانًا وتسلكون الطريقا
وقال أحمد بْن صالح الجيليّ: سار ذِكره في الأغوار والأنجاد، ورأس -[786]- أصحاب الإمام أحمد، وصار أوحد وقته، ونسيج وحده، ولم أسمع في جميع عمري مَن يقرأ الفاتحة أحسن ولا أصحّ منه، وكان جمال العراق بأسره، وكان ظريفًا كريمًا، لم يُخَلِّف مثله في أكثر فنونه.
قلت: قرأ عَلَيْهِ القراءات: شهاب الدّين محمد بْن يوسف الغَزْنَويّ، وتاج الدّين أبو اليُمن الكَنْديّ، وعبد الواحد بْن سلطان، وأبو الفتح نصر اللَّه بْن عليّ بْن الكيّال الواسطيّ، والمبارك بْن المبارك بْن زُريق الحدّاد، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن هارون الحلّيّ المعروف بابن الكال المقرئ، وصالح بْن عليّ الصَّرْصَريّ، وأبو يَعْلَى حَمْزَة بْن عليّ بْن القُبيطيّ، وأبو أحمد عبد الوهّاب بْن سُكينة، وزاهر بْن رُسْتَم نزيل مكَّة، وحدَّث عنه: محمود بن المبارك بن الداريج، ويحيى بْن طاهر الواعظ، وإسماعيل بْن إبراهيم بْن فارس السِّيبيّ، وعبد اللَّه بْن المبارك بْن سُكَيْنَة، وعبد العزيز بْن مَنِينا، وتلميذه الكندي، وعليه تلقّن القرآن وتعلم العربيَّة.
وتُوُفّي في ثامن وعشرين ربيع الآخر، وصلى عليه الشيخ عبد القادر الجيلي.
قَالَ ابن الجوزيّ: قد رَأَيْت أَنَا جماعة من الأكابر، فما رَأَيْت أكثر جمعًا من جمعه.
قال عبد الله بن جرير القرشي: دُفن مِن الغد بباب حرب عند جدّه عَلَى دكَّة الإمام أحمد، وكان الْجَمْع كثيرًا جدًّا يفوت الإحصاء، وغُلِّق أكثر البلد في ذَلكَ اليوم.