في أوّلها جاءت الأخبار إلى بغداد بدخول الغُزّ التّركُمان نيْسابور، والفتْك بأهلها، فقتلوا بها نحْوًا من ثلاثين ألفًا، وكان سَنَجْر معهم، عَلَيْهِ اسم -[774]- السلطنة، وهو في غاية الإهنة بين الغُزّ، ولقد أراد يومًا أن يركب، فلم يجد من يحمل سلاحه، فشدّه عَلَى وسَطَه، وإذا قُدّم إِلَيْهِ الطّعام خبّأ منه شيئًا لوقتٍ آخر، خوفًا من انقطاعه عَنْهُ.
وفيها كانت وقعة بين شملة التُّركمانيّ وبين عسكر الخليفة، فهزموه وتبِعوه، ثمّ خرج لهم كمينٌ فهزمهم، ثمّ أذعن بطاعة الخليفة، وأطلق الأسرى.
وفيها سار المقتفي إلى الكوفة، واجتاز في سوقها، ودخل جامعها.
وفي أوّلها سار الصّالح طلائع بْن رُزّيك من الصّعيد عَلَى قصْد القاهرة للانتقام من عبّاس صاحب مصر الّذي قتل الظّافر بالله، فلما سمع بمجيئه عباس خرج من مصر لقلَّة مَن بقي معه مِن الْجَنْد، وسار نحو الشّام بما معه من الأموال والتُّحف الّتي لا تُحصى، لأنّه كان استولى عَلَى القصر، وتحكّم في ذخائره ونفائسه، فخرجت عَلَيْهِ الفرنج من عسقلان، فقاتلوه وقتلوه، واستولوا عَلَى جميع ما معه، وأسروا ابنه نصرًا، وباعوه للمصريين.
وأمّا طلائع فدخل القاهرة بأعلام مسوّدة، وثياب سود في هيئة الحزْن، وعلى الرّماح شعور النّساء مقطّعة حزْنًا عَلَى الظّافر، ثمّ نبش الظّافر من دار عبّاس، ونقله إلى مقبرة آبائه.
وجاءت مراكب الفرنج من صَقَلِّية، فأرسَوا عَلَى تِنِّيس وهجموها، فقتلوا وأسروا، وردّوا بالغنائم، وخاف أهل مصر من استيلاء الفرنج، فإنّا لله وإنّا إِلَيْهِ راجعون، حتّى عزم ابن رُزّيك وزيرُها عَلَى موادعة الفرنج بمالٍ يُحمل إِلَيْهِ من الخزانة، فأنكر ذلك الأمراء، وعزموا على عزله.
وأمّا المقتفي لأمر اللَّه، فإنّه عظُم سلطانه، واشتدّت شوكته، واستظهر عَلَى المخالفين، وأجمع عَلَى قصد الجهات المخالفة لأمره.
وأمّا نور الدّين، فإنّه سار بجيشه، فملك عدَّة قلاع وحصون بالسّيف وبالأمان من بلاد الروم، من نواحي قونية، وعظُمت ممالكه وبعُد صيته، وبعث إليه المقتفي تقليدًا، وأمره بالمسير إلى مصر، ولُقِّب بالملك العادل.