جاءت الأخبار بما جرى عَلَى رَكْب العراق، طمع فيهم أمير مكَّة، واستهون بقَيماز، وطمعت فيهم العرب، ووقفوا يطلبون رسومهم، فأشار بذلك قَيماز، فامتنع النّاس عَلَيْهِ، ولمّا وصلوا إلى الغرابيّ خرجت عليهم العرب، في رابع عشر المحرم، فاقتتلوا وظهرت عليهم العرب فأخذوا ما لا يُحصى، حتّى أنّه أُخذ من خاتون أخت السّلطان مسعود ما قيمته مائة ألف دينار، وذهب للتّجار أموال كثيرة، واستغنَتَ العربُ، وتمزَّق النّاس، وهربوا مُشاةً في البرّيَّة، فمات خلقٌ جوعًا وَعَطَشًا وبَردًا، وطلى بعض النّساء أجسادهنّ بالطِّين ستْرًا للعورة، وتوصّل قَيماز في نفرٍ قليل.
وفيها كَانَ الصُّلْح، فإنّ نور الدّين نازل دمشق وضايقها، ثمّ اتقى اللَّه في دماء الخلْق، وخرج إِلَيْهِ مُجير الدّين أَبق صاحب البلد، ووزيره الرئيس ابن الصّوفيّ، وخلع عليهما، ورحل إلى حلب والقلوب معه لِما رَأَوْا من دينه.
قَالَ ابن الجوزيّ: وجاء في هذه السّنة باليمن مطر كلُّه دم، وصارت الأرض مرشوشة بالدم، وبقي أثره في ثياب الناس.
وفيها جهَّز عبد المؤمن بْن عليّ ثاني مرَّة جيشًا من الموحّدين في اثني عشر ألف فارس إلى قُرْطُبة، لأنّ الفرنج نازلوها في أربعين ألفًا ثلاثة أشهر، وكادوا أن يملكوها، فكشف عنها الموحدون، ولطَف الله.
وفيها مرض ابن البلنكريّ، وهو خاصّ بك التُّركمانيّ أتابك جيش السّلطان مسعود، فلمّا عوفي أسقط المُكوس.
ثمّ مات بعد أيّام ببغداد مختصّ الحضرة مكاس البلد، وكان يبالغ في أذى الخلْق ويقول: أَنَا قد فرشت حصيرًا في جهنّم.