في ربيع الآخر وثب ثلاثة من غلمان زنكي بن آقْسُنقُر عليه، فقتلوه وهو يحاصر جَعْبَر، فقام بأمر المَوْصِل ابنه غازي، وبحلب نور الدين محمود.
وفيها احترق قصر المسترشد الّذي بناه في البستان، وكان فيه الخليفة، فسلِم، وتصدَّق بأموال.
وفي رَجب قدِم السّلطان مسعود، وعمل دار ضرْب، فقبض الخليفة عَلَى الضّرّاب الّذي تسّبب في إقامة دار الضّرْب، فنفذ الشِّحْنة وقبض عَلَى حاجب الخليفة، وأربعةٍ من الخواصّ، فغضب الخليفة، وغلّق الجامع والمساجد ثلاثة أيّام، ثمّ أُطلق الضّراب، فأطلقوا الحاجب، وسكن الأمر.
ووقع حائط بالدّار عَلَى ابْنَة الخليفة، وكانت تصلح للزواج، واشتد حزنهم عليها، وجلسوا للعزاء ثلاثة أيام.
وفي ذي القعدة جلس ابن العبّاديّ الواعظ، فحضر السّلطان مسعود، فعرَّض بذِكر حقّ البيع، وما جرى عَلَى النّاس، ثمّ قَالَ: يا سلطان العالم، أنت تهبُ في ليلةٍ لمطربٍ بقدر هذا الذي يؤخذ من المسلمين، فاحسبني ذَلكَ المطرب، وهبْه لي، واجعله شُكرًا لله بما أنعم عليك، فأشار بيده إنّي قد فعلت، فارتفعت الضّجَّة بالدّعاء لَهُ، ونودي في البلد بإسقاطه، وطيف بالألواح الّتي نقِش عليها تَرْك المُكوس في الأسواق، وبين يديها الدبادب والبُوقات، ولم تزل إلى أن أمر الناصر لدين اللَّه بقلْع الألواح، وقال: ما لنا حاجة بآثار الأعاجم.
وحج الوزير نظام الدين ابن جَهير، قَالَ ابن الجوزيّ: وحججت أَنَا -[752]- بالزوجة والأطفال.
قال ابن الأثير: وفيها ملَكَت الفرنج طرابُلُسَ المغرب، جهّز الملك رُجار صاحب صقلية في البحر أسطولًا كبيرًا، فنازلوها في ثالث المحرَّم، فخرج أهلها، ودام الحرب ثلاثة أيّام، فاتّفق أن أهلها اختلفوا، وخلَت الأسوار، فنصبت الفرنج السّلالم، وطلعوا وأخذوا البلد بالسّيف واستباحوه، ثمّ نادوا بالأمان، فظهر من سلِم، وعمّرتها الفرنج وحصّنوها.
وفيها لما قُتل زَنكي قصد صاحب دمشق بَعْلَبَكّ وحاصرها، وبها نائب زنْكيّ الأمير نجم الدّين أيّوب بْن شاذي، فسلّمها صُلحًا لَهُ، وأقطعه خُبزًا بدمشق، وملّكه عدة قرى، فانتقل إلى دمشق وسكنها.
وفيها في أولها سار عبد المؤمن بجيوشه بعد أن افتتح فاس إلى مدينة سَلا فأخذها، ووَحَّدَتْ مدينةُ سَبْتَة، فأمّنهم، ثمّ سار إلى مَرّاكُش، فنزل عَلَى جبلٍ قريبٍ منها، وبها إسحاق بْن عليّ بْن يوسُف بْن تاشفين، فحاصرها أحد عشر شهرًا، ثمّ أخذها عَنْوةً بالسّيف في أوائل سنة اثنتين وأربعين، واستوسق لَهُ الأمرُ ونزلها، وجاءه جماعةٌ من وجوه الأندلسيّين وهو عَلَى مَرّاكُش باذِلين لَهُ الطّاعة والبَيْعة، ومعهم مكتوبٌ كبيرٌ فيه أسماء جميع الّذين بايعوه من الأعيان، وقد شهد من حضر عَلَى من غاب، فأعجبه ذَلكَ، وشكر هجرتهم، وجهّز معهم جيشًا مَعَ أَبِي حفص عُمَر بْن صالح الصّنْهاجيّ من كبار قُواده، فبادر إلى إشبيلية فنازلها، ثم افتتحها بالسّيف.
وذكر اليَسَع بْن حزْم أنّ أهل مَرّاكُش مات منهم بالجوع أيّام الحصار نيفٌ عَلَى عشرين ومائة ألف، حدَّثنيه الدافنُ لهم، ولمّا أراد فتحها داخلت جيوش الرّوم الّذين بها عبد المؤمن فكتب لهم أمانًا، فأدخلوه من باب أَغْمات، فدخلها بالسّيف، وضرب عنق إسحاق المذكور، في عدَّةٍ من القواد.
قال اليَسَع: قُتل ذلك اليوم فيما صحّ عندي نيِّفٌ عَلَى السّبعين ألف رَجُل.