248 - عطاء بن أبي سعد بن عطاء، أبو محمد الثعلبي، الهروي، الصوفي، الفقاعي.

248 - عطاء بن أبي سعد بن عطاء، أبو محمد الثعلبيّ، الهَرَويّ، الصُّوفيّ، الفُقّاعيّ. [المتوفى: 535 هـ]

صاحب شيخ الإسلام أبي إسماعيل.

محدِّث، رحال، وصوفي عمال، ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة بمالين هَرَاة، وسمع من أبي إسماعيل، وبنَيْسابور من: فاطمة بنت الدّقّاق، وببغداد من: أبي نصر محمد بن محمد الزَّيْنبيّ، وأبي القاسم عليّ بن البُسْريّ، وأبي يوسف عبد السّلام القَزْوينيّ، وجماعة كثيرة.

روى عنه: أولاده الثّلاثة، وقد سمع أبو سعْد السّمعانيّ منهم، عن أبيهم، وممّن روى عنه: أبو القاسم ابن عساكر، ومحمود بن الفضل الأصبهانيّ.

قال ابن السّمعانيّ: كان ممّن يُضرب به المَثَل في إرادة شيخ الإسلام والجدّ في خدمته وله آثار، وحكايات، ومَقامات وقت خروج شيخ الإسلام إلى بلْخ في المِحْنة، وجرى بينه وبين الوزير النّظّام مقالات وسؤالات في هذه الحادثة، وكان نظام المُلْك يحتمل ذلك كلّه من عطاء، وسمعتُ أنّ عطاء قُدِّم إلى الخَشَبة ليُصلَب، فنجّاه الله تعالى لحُسْن الاعتقاد والجدّ الذي كان له فيما هو فيه، فلما أطلق عاد في الحال إلى التّظلُّم وما فَتَر، وخرج مع النّظّام إلى الرُّوم ماشيًا، وسمعت أنّه كان في المدَّة الّتي كان شيخ الإسلام غائبًا فيها عن وطنه ما ركب عطاء دابَّةً، ولا عَبَر على قنطرة، بل كان يمشي مع الخيل، ويخوض الأنهار، ويقول: شيخي في المحنة والغربة، فلا أستريح، وما استراح إلى أنّ ردّوا شيخه إلى وطنه.

وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ وَالِدِي يَقُولُ: كنت في طريق الروم أعدوا مَعَ مَوْكِبِ النَّظَّامِ، فَوَقَعَ نَعْلِي، فَمَا الْتَفَتُّ لَهَا، وَرَمَيْتُ الْأُخْرَى، وَجَعَلْتُ أَعْدُو، فَأَمْسَكَ النَّظَّامُ الدابة وقال: أين نعلاك؟ قلت: وقع أحدهما، فما وقفت عليها؛ خشيت أن تفوتني وتسبقني، فقال: هب أنه وقع أحديهما، -[636]- فَلِمَ خَلَعْتَ الْأُخْرَى وَرَمَيْتَهَا؟ قُلْتُ: لِأَنَّ شَيْخِي عَبْدَ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى أَنْ يَمْشِيَ الْإِنْسَانُ فِي نعلٍ وَاحِدٍ "، فَمَا أَرَدْتُ أَنْ أُخَالِفَ السُّنَّةَ، فَأَعْجَبَ النَّظَّامُ مَا فَعَلَ وَقَالَ: أَكْتُبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَرْجِعَ شَيْخُكَ إِلَى هَرَاةَ، وَقَالَ لِي: ارْكَبْ بَعْضَ الْجَنَائِبِ، فَأَبَيْتُ وَقُلْتُ: شَيْخِي فِي الْمِحْنَةِ وَأَنَا أَرْكَبُ الْجَنَائِبَ! وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَالًا، فَلَمْ يَقْبَلْهُ.

وَقُدِّمَ أَبِي بِأَصْبَهَانَ إِلَى الْخَشَبَةِ لِيُصْلَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ حَبَسُوهُ مُدَّةً، فَقَالَ لَهُ الْجَلادُ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، قال: لَيْسَ ذَا وَقْتُ صَلاةٍ، اشْتَغِلْ بِمَا أُمِرْتَ به، فَإِنِّي سَمِعْتُ شَيْخِي يَقُولُ: إِذَا عُلِّقَتِ الشَّعِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي أَسْفَلِ الْعَقَبَةِ لَا تُوَصِّلُكَ فِي الْحَالِ إِلَى أَعْلاهَا، الصّلاة نافعة في الرخاء، لا في حالة البأس، ووصل مسرعٌ من السّلطان ومعه الخاتم بتسريحه، فتُرِك، وكانت الخاتون امرأة السّلطان معينة في حقّه، قال: فكلّما أُطْلِق رجع في الحال إلى التّظلُّم والتّشنيع.

سَمِعْتُ أَبَا الْفُتُوحِ عَبْدَ الخلاق بْنَ زِيَادٍ يَقُولُ: أَمَرَ بَعْضُ الأُمَرَاءِ أَنْ يُضْرَبَ عَطَاءٌ الْفُقَّاعِيُّ فِي مِحْنَةِ الشَّهِيدِ عَبْدِ الهادي ابن شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَائَةَ سَوْطٍ، فَبُطِحَ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُضْرَبُ إِلَى أَنْ ضَرَبُوا سِتِّينَ، فَشَكُّوا كَمْ كَانَ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ، فَقَالَ عَطَاءٌ: وَهُوَ مكبوبٌ عَلَى وَجْهِهِ: خُذُوا بِالأَقَلِّ احْتِيَاطًا، وَحُبِسَ بَعْدَ الضَّرْبِ مَعَ جماعةٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ أَتْرِسَةٌ، فَقَامَ بِجَهْدٍ مِنَ الضَّرْبِ، وَأَقَامَ الْأَتْرِسَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّسَاءِ وَقَالَ: " نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخلوة مع غير المحرم ".

قال محمد بن عطاء: تُوُفّي أبي تقديرًا سنة خمسٍ وثلاثين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015