165 - محمد بن يحيى بن بَاجَة، أبو بكر الأندلسيّ، السَّرَقُسْطيّ، الشّاعر، الفيلسوف، المعروف بابن الصّائغ. [المتوفى: 533 هـ]
منسوب إلى انحلال العقيدة وسوء المذْهب، وكان يعتقد أنّ الكواكب تدبّر العالم، وقد استولى الفرنج على سَرَقُسْطَة في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وباجَة: هي الفضَّة في لسان فرنج المغرب.
وكان آية في آراء الأوائل والفلاسفة، وهَمّ به المسلمون غير مرَّة، وَسَعَوْا في قتله.
وكان عارفًا بالعربية، والطّبّ، وعلم الموسيقى.
قال أبو الحَسَن عليّ بن عبد العزيز ابن الإمام: هذا مجموع من أقوال أبي بكر ابن الصّائغ في العلوم الفلسفيَّة.
قال: وكان في ثقابة الذُّهن، ولُطْف الغَوْص على المعاني الدّقيقة أعجوبة دهره، فإنّ هذه الكُتُب الفلسفية كانت متداولة بالأندلس من زمان الحَكَم جالبها، فما انتهج فيها الناظر قبله بسبيل كما تبدّد عن ابن حزْم، وكان من أجل نظّار زمانه، وكان أبو بكر أثقب منه نظرًا.
قال: ويشبه أنّ هذا لم يكن بعد أبي نصر الفارابيّ مثله في الفنون الّتي تكلم عليها، فإنه إذا قرنت أقاويله بأقاويل ابن سينا، والغزّاليّ، وهما اللّذان فُتح عليهما بعد الفارابيّ بالمشرق في فَهْم تلك العلوم، ودوَّنا فيها، بان لك الرَّجَحَان في أقاويله، وحُسْن فَهْمه، لأقاويل أَرِسطو. -[602]-
قلت: وكان ابن الإمام من تلامذة ابن باجَة، كان كاتبًا، أديبًا، وهو غَرْناطيٌّ أدركه الموت بقوص، ومن تلامذة ابن باجَة أبو الوليد بن رُشْد الحفيد.
تُوُفّي ابن باجَة بفاس، وقبره بقرب قبر القاضي أبي بكر بن العربيّ المَعَافِريّ، ومات قبل الكهولة؛ وله مصنّفات كثيرة.
ومن شِعره:
ضربوا القِبابَ على أقاحة روضةٍ ... خَطَر النَّسيمُ بها ففاح عبيرا
وتركتُ قلبي سار بين حمولهم ... دامي الكلوم يسوق تلك العيرا
لا والّذي جعل الغصون مَعَاطِفًا ... لهمُ وصَاغ الأقْحُوَانَ ثغورا
ما مرّ بي رِيحُ الصّبا من بعدهم ... إلّا شهقت له، فعاد سعيرا
وقد ذكر أبا بكر بن باجَة أيضًا الْيَسع بن حزْم في تأليفه فقال فيه: هو الوزير، الفاضل، الأديب، العالِم بالفنون، المعظَّم في القلوب والعيون، أبو بكر بن باجة، أرسَلَ قلمه في ميادين الخطابة فسبق، وحرَّك بعاصف ذهنه من العلوم ما لا يكاد يتحرّك.
إلى أنّ قال: ومن مِثل أبي بكر؟ جادَ به الزّمان على الخواطر والأذهان، كلامه في الهيئة والموسيقى كلام فاضل، تعقَب كلام الأوائل، وحلَّ عُقَد المسائل، وإني لأتحقّق من عقْله ما يشهد له بالتّقييد للشّريعة، ولا شكّ إنّه في صباه عَشِق، وصبا، وسبح في أنهار المجانة وحبا، وشعر ولحن، وامتحن نفسه في الغناء فمُحِن، فأنطق جماد الأوتار.