134 - أنوشروان بن خالد بن محمد، الوزير، أبو نصر القاساني، الفيني، [المتوفى: 533 هـ]
وفين: من قرى قاسان.
وزير الدّولتين جميعًا للخليفة المسترشد، وللسّلطان محمود بن محمد.
قال ابن السّمعانيّ: كان قد جمع الله فيه الفضل الوافر، والعقل الكامل، والتواضع، والخيرية، ورعاية الحقوق، أدركته ببغداد وقد كبر وأسن وتضعضع، وأقعده العجز في داره بالحريم الطاهري، عاقني المرض عن الحضور عنده، وقد حدَّث عن: عبد الله بن الحسن الكامخي الساوي، وسمع منه جماعة من أصحابنا، وكان هو السبب في إنشاء " مقامات الحريريّ "، وكان يميل إلى التَّشيُّع.
قال ابن الجوزيّ: كان عاقلًا مَهِيبًا، عظيم الخلْقة، دخلت عليه فرأيت من هيبته ما أدهشني، وكان كريمًا، سأله رجلٌ خيمةً، فلم تكن عنده، فأرسل إليه مائة دينار، وقال: اشترِ بها خيمة، فكتب إليه الرجل، وهو أبو بكر الأَرَّجانيّ الشّاعر:
للهِ دَرّ ابن خالد رجلًا ... أحيا لنا الجودَ بعدما ذهبا
سألته خيمةً ألوذ بها ... فجاد لي مِلْء خيمةٍ ذهبا
وكتب إليه الحريريّ صاحب " المقامات ":
ألا ليت شِعْري والتّمنّي تعلةٌ ... وإن كان فيه راحة لأخي الكرب
أتدرون أني مذ تناءت دياركم ... وشطّ اقترابي من جنابكم الرحبِ
أكابد شوقًا ما يزال أواره ... يقلبني بالليل جنْبًا على جنبِ
وأذكر أيام التّلاقي فأنثني ... لتذكارها بادي الأسى طائر اللب
ولي حنة في كل وقتٍ إليكم ... ولا حنة الصادئ إلى الباردِ العذبِ
وممّا شجا قلبي المُعَنَّى وشفه ... رِضاكم بإهمال الإجابة عن كُتُبي
وقد كنت لَا أخشى مع الذَّنْب جفوةً ... فقد صرت أخشاها وما لي من ذَنْبِ -[590]-
ولما سَرَى الوفد العراقيّ نحوكم ... وأَعْوَزني المَسْرَى إليكم مع الرَّكْبِ
جعلت كتابي نائبي عن ضرورةٍ ... ومن لم يجد ماءً تيمَّم بالتُّرْبِ
قال ابن النّجّار: أنوشروان الوزير، وُلِد بالرَّيّ في رجب سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة، ووَزَرَ ثمّ عُزِل، ثمّ أُعيد، وكان موصوفًا بالجود والإفضال، محبًا للعلماء، أحضر ابن الحُصَيْن إلى داره يُسمع أولاده " مُسْنَد أحمد " بقراءة ابن الخشّاب، وأذِن للنّاس في الدخول، فعامَّة من سمعه ففي داره.
روى عنه: أبو القاسم ابن عساكر في " مُعْجَمه "، وسماعه من السّاويّ في سنة ثمانٍ وسبعين.
تُوُفّي في رمضان، ودُفِن بداره، ثمّ نُقِل بعد ذلك إلى الكوفة، فدُفِن بمشهد عليّ عليه السّلام.
وفي " تاريخ ابن النّجّار " نقل من خطّ قاضي المَرِسْتان: تُوُفّي أنوشروان في ثاني عشر صَفَر سنة ثلاثٍ وثلاثين.