389 - عبد الملك الطَّبَريّ، الزّاهد، [الوفاة: 521 - 530 هـ]
شيخ الحَرَم في زمانه.
ذكره ابن السّمعانيّ في " ذيله " فقال: كان أحد المشهورين بالزُّهْد والورع: أقام بمكَّة قريبًا من أربعين سنة على الجد والاجتهاد في العبادة، والرّياضة، وقهْر النَّفْس، وكان ابتداء أمره أنه كان يتفقه في المدرسة، فلاح له شيءٌ فخرج على التّجريد إلى مكَّة، وأقام بها، وكان يلبس الخشن، ويأكل الجشب، ويُزْجي وقتَه على ذلك صابرًا، سمعتُ أبا الأسعد هبة الرحمن القُشَيْريّ يقول: لمّا كنت بمكَّة أردتُ زيارته فأتيته فوجدته محمومًا مُنْطَرِحًا، فتكلَّف وجلس، وقال: أنا إذا حُمِمت أفرح بذلك، لأنّ النّفْس تشتغل بالحُمَّى، فلا تشغلني عمّا أنا فيه، وأخلُو بقلبي كما أريد.
وقال الحسين الزغنداني: رأيت حوضًا يقال له عنبر، والماء في أسفله، بحيث لَا تصل إليه اليد، فرأيت غير مرةٍ أنّ الشَيخ عبد الملك توضّأ منه، وارتفع الماء إلى أن وصل إليه، ثمّ غارَ الماء، ونزل بعد فراغه، وكنت معه ليلةً في الحَرَم، وكانت ليلةً باردة، وكان ظهْرُه قد تشقّق من البَرد، وكان عريانًا، فنام على باب المسجد، وضع يده اليمنى تحت خدّه اليمنى، واليد اليُسْرَى على رأسه، وكان يذكر الله، فقلت له: لو نمت في زاوية من زوايا المسجد كان يكُنُّك من البرد، فقال: نمت في بعض اللّيالي، فرأيت شخصين دخلا المسجد، وتقدَّما إليَّ، وقالا لي: لَا تَنَمْ في المسجد، فقلت لهما: من أنتما؟ فقالا: نحن مَلَكان، فانتبهت، وما نمت بعد ذلك في المسجد، وقلت له: إني أراك صَبُورًا على الجوع، قال: آكل قليلًا من ورق الغضا فأشبع.