89 - إبراهيم بن عثمان بن محمد، أبو إسحاق، وقيل أبو مدين الكلبي الغزي، الشاعر المشهور.

89 - إبراهيم بن عثمان بن محمد، أبو إسحاق، وقيل أبو مَدْيَن الكلْبيّ الغزّيّ، الشّاعر المشهور. [المتوفى: 524 هـ]

أحد فُضلاء الدّهر، ومَن يُضرب به المثل في صناعة الشِّعر، ذو الخاطر -[394]- الوقّاد، والقريحة الجيّدة، تنقّل في البُلدان، ومدحَ الأعيان، وهجا جماعة، ودوَّر في الجبال، وخُراسان، وسار شِعْره، وقد سمع بدمشق من الفقيه نصر سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.

قال ابن النّجّار: هو إبراهيم بن عثمان بن عيّاش بن محمد بن عمر بن عبد اللَّه الأشهبيّ الكلْبيّ، ثمّ قال: هكذا رأيت نَسَبه بخطّ محمد بن طُرْخان التّركيّ، روى ببغداد كثيرًا من شِعره، وعنه من أهلها: محمد بن جعفر بن عَقِيل البصريّ، ومحمد بن علي بن المِعْوَجّ، وعبد الرحيم بن أحمد ابن الأخوة، وروى السِّلَفيّ عنه، وروى أيضًا عن يوسف بن عبد العزيز المَيُورقيّ، عنه.

ومن شِعره:

أَغْيدُ للعين حين تَرْمُقُهُ ... سلامةٌ في خلالها عطَبُ

واخضرُ في وجنتيه خطمها ... بحافة الماء ينبتُ العشبُ

يدير فينا بخدّه قَدَحا ... يجتمع الماءُ فيه واللهَبُ

قلت: وقيل: هو إبراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد، أقام بالنّظامية ببغداد سِنين كثيرة، وله ديوان شعر مختار نحو ألْفي بيت.

وقال العماد في " الخريدة ": مدح ناصر الدّين مُكْرَم بن العلاء وزير كرمان بهذه القصيدة الّتي يقول فيها:

حملنا من الأيام ما لَا نُطِيقهُ ... كما حمل العظْمُ الكسِيرُ العصائبا

وليلٍ رَجَوْنا أن يَدبّ عِذَارُهُ ... فما اختطّ حتى صار بالصبح شائبا

قال ابن السّمعانيّ: ما اتّفق أنيّ سمعت منه شيئًا، وكان ضنينًا بشِعْره، إلا أنّه اتّفق له الخروج من مَرْو إلى بلْخ، فباع قريبًا من عشرة أرطال من مُسَوَّدات شِعره من بعض القلانِسيّين، ليفسدها في القلانِس، فاشتراها منه بعض أصدقائي، وحملها إليَّ، فرأيت شِعرًا أُدْهِشْت من حُسنه وجَوْدة صنعته، فبيّضت منه أكثر من خمسة آلاف بيت، وُلِد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة.

وقال ابن نُقْطة في " استدراكه " على الأمير: حدثنا أبو المعالي محمد -[395]- ابن أبي الفرج البغدادي، قال: حدثني سعد بن الحسن التوراني الحراني الشاعر، قال: كنا نسمع على إبراهيم الغزّيّ ديوانه، فاختلف رجلان في إعراب بيت، فقال: قوموا، فَوَالله لَا أسْمَعْتُ بقيّته، ولأبيعنَّ ورقَهَ للعطّارين يصرّون فيه الحوائج.

ومن شعره:

قالوا: تركت الشَّعْر قلت: ضرورةً ... باب الدّواعي والبواعث مغلق

خلت الديار فلا كريم يرتجى ... منه النّوالُ، ولا مليحٌ يُعشَقُ

ومن العجائب أنه لَا يُشْتَرَى ... ومع الكَسَاد يُخانُ فيه ويسرق

وله:

أأضماك خدّ يوم وَجرة، أمْ جيد ... أمّ اللّحْظُ فيما غازَلَتْكَ المَها الغِيدُ

سَفَرْنَ فقال الصُّبح: لست بمسفرٍ ... ومِسنَّ، فقال البانُ: ما فيّ أملودُ

وخوطّية المهتز أمكن وصلها ... وطرفٌ رقيب الحي بالنوم مصفود

فأنشدتها من عزب شعري قصيدة ... وشبهها المعنى الذي هو مقصود

لك النّومُ تحت السَّجْف والطّيبُ والحُلَى، ... ولى عَزَماتي والعلندات والبيدُ

فقالت: أَمِطّ عنك القريضَ وذِكْرَهُ، ... فما لَكَ في نَظْم القصائدِ تجويدُ

وله:

طول حياةٍ ما لها طائل ... نغص عندي كلّما يُشْتَهى

أصبحت مثل الطَّفْل في ضعفه ... تشابه المبدأ والمُنْتَهى

فلا تَلُم سمعي وإن خانني، ... إن الثّمانين وبُلّغْتُها

وله:

بجَمْعِ جَفْنيك بين البُرْء والسَّقَم ... لا تَسْفِكي من دموعي بالفِراقِ دمي

إشارةٌ منكِ تكفيني، وأحسن ما ... رُدَّ السّلامُ غداة البَيْنِ بالعَنَمِ

تَعليقُ قلبي بذاتِ القُرْطِ يُؤلمهُ ... فليشكر القُرْطُ تعليقًا بلا ألم

وما نسيت، ولا أنسى تجشُّمَها ... ومنسم الجوّ غفلٌ، غير ذي علم

حتى إذا طاح عنها المرط من دهشٍ ... وانحل بالضم سلك العقد في الظُّلَم

تبسّمت فأضاء الجوّ، فالتقطتْ ... حبّات منتثر في ضوء منتظم -[396]-

وله:

إذا قلّ عقلُ المرءِ قلّت هُمُومُه ... ومن لم يكنْ ذا مقلةٍ كيف يَرْمَدُ؟

وقد تصقل الضبات وهي كليلةٌ ... ويصدأ حد السِّيفِ وهو مُهَنَّد

وله:

إني لأَشْكُو خُطُوبًا لَا أعيّنها ... ليبرأ النّاسُ من لَومي ومن عذْلي

كالشّمع يبكي ولا يُدرى، أَعَبْرَتُهُ ... من صحبة النّار، أو من فرقةِ العَسَلِ

وله القصيدة السائرة:

أمط عن الدُّرر الزّهر اليَوَاقِيتا ... واجعل لحجّ تَلاقِينا مواقيتا

فثغرك اللؤلؤ المبيض لا الحجر الـ ... ـمسود طالبه يطوي السّباريتا

لنا بذِكراك أذكى الطَّيب رائحةً ... ونور وجهك رد البدر مبهوتا

منها:

وفتية من كُماه التُّرْكِ ما تركَتْ ... للرَّعْد كباتهم صوتًا ولا صيتا

قوم إذا قوبلوا كانت ملائكةً ... حُسْنًا، وإن قُوتلوا كانوا عفاريتا

مُدَّت إلى النَّهْب أيديهم وأعيُنُهم، ... وزادهم قلق الأخلاق تثبيتا

ومن شعره:

طفقت تقول أسيرة الكَلَل ... لك ناظرٌ أَهدى فؤادَكَ لي

وأراك رائد مهمَّة قذف ... ما عاقَهَا القَمَران عن زُحَلِ

من ضنها بالطَّيْف توعدنا ... جود النساء يعد في البخل

استغفر الله المركب في أسل ... القدود لهاذم المُقَل

فاسننْ عليك دلاص تسليةٍ ... فاللحظ يُبْطل حيلة البطلِ

بك من جواري السّرب نازلةٌ ... بالحُسْن بين مراكز الأَسَلِ

بدويَّة الحِلَل افتتنْتُ بها ... لما بدت حضرية الحلل

يا دميةً سفكت دمي عبثا ... وأنا ابن بجدة حومة الوهل

ما ضفت قومًا تبجحين بهم ... إلّا وكان نزالُهُمْ نزلي

ومن السّفاهةِ مَقْتُ ذي مقةٍ ... ومن العناء عتاب ذي ملل -[397]-

وله من قصيدة:

ورب خطبٍ حللْتُ عُقْدَتَه ... بمنزلٍ لَا تُحل فيه حبا

ومالك جبت نحوه ظلمًا ... فزرته مشرق المُنى شحبا

جاد بما يملأ الحقائب لي ... وجدت بالشعر يملأ الحقبا

وكم تصيدت والصبى شركي ... سرب ظباء لحاظهن ظبا

على غدير بروضة نظمت ... نوارها حول بدره شُهُبا

يدقّ فيه الغمام أسهُمَهُ ... فيكتسي من نصالها حببا

ويعجم الطل ما يخط على ... صفحته مرّ شمال وصبا

ضروب نقشٍ كأنما خلع الز ... هر عليهن برده طربا

لو كن يبقين ظنهن صفي ... الدولة الأحرف التي كتبا

وخرج إلى المديح.

قال ابن السّمعاني: خرج الغّزي متوجّهًا من مَرْو إلى بلْخ في سنة أربعٍ وعشرين، فأدركته المَنِيَّة في الطريق، فحُمِل إلى بلْخ ودُفن بها، وله ثلاثٌ وثمانون سنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015