-سنة ست وعشرين وخمسمائة

فيها سار الملك مسعود بن محمدٍ إلى بغداد في عشرة آلاف فارس، وورد قُراجا السّاقي معه سلْجُوق شاه بن محمد أخو مسعود، وكلاهما يطلب السّلطنة، وانحدر زنكيّ من الموصل لينضم إلى مسعود أو سلْجوق، فأرجف الناس بمجيء عمهما سنجر، فعملت الستور وجبي العقار، وخرجوا بأجمعهم مُتَوَجهين لحرب سَنْجَر، وألزم المسترشد قُراجا بالمسير، فكرهه ولم يجد بُدًّا -[350]- من ذلك، وبعث سَنْجَر يقول: أنا العبد، ومهما أُريدَ مني فعلت، فلم يقبل منه، ثمّ خرج المسترشد بعد الجماعة، وقُطعت خطبة سنجر، وقدم سَنْجَر هَمَذَان، فكانت الوقعة قريبًا من الدَّينَوَر.

قال ابن الْجَوْزيّ: وكان مع سَنْجَر مائة ألف وستّون ألفًا، وكان مع قُراجا ومسعود ثلاثون ألفًا، وكانت ملحمة كبيرة، أُحصِي القتلى فكانوا أربعين ألفًا، وقُتِلَ قُراجا، وأُجلس طُغْرُل على سرير الملك، بقيام عمّه سَنْجَر.

وكان طُغْرُل يوم المصافّ على ميمنة عمّه، وكان على الميسرة خُوارَزْم شاه بن أتسِز بن محمد، فبدأهم قُراجا بالحملة، فحمل على القلب بعشرة آلاف، فعطف على جنبتي العشرة آلاف ميمنة سنجر وميسرته، فصار في الوسط، وقاتلوا قتال الموت وأثخن قراجا بالجراحات، ثم أسروه، فانهزم الملك مسعود، وذلك في ثامن رجب، وقتل قراجا وجاء مسعود مستأمنًا إلى السّلطان سنجر، فأكرمه وأعاده إلى كَنْجَةَ وصفح عنه وعاد سنجر إلى بلاده.

وجاء زنكي ودبيس في سبعة آلاف ليأخذا بغداد، فبلغ المسترشد اختلاط بغداد، وكسرة عسكره، فخرج من السرادق بيده السّيف مجذوب، وسكن الأمر، وخاف هو، وعاد من خانقين، وإذا بزنكيّ ودُبَيْس قد قاربا بغداد من غربيّها، فعبر الخليفة إليهم في ألفَين، وطلب المهادنة، فاشتطا عليه، فحاربهما بنفسه وعسكره، فانكسرت ميسرته، فكشف الطّرحة ولبس البُرْدة، وجذب السّيف، وحمل، فحمل العسكر، فانهزم زنكيّ ودُبَيْس، وقتل من جيشهما مقتلة عظيمة، وطلب زنكي تكريت، ودبيس الفرات منهزمين.

وفيها هلك بغدوين الرويس ملك الفرنج بعكّا، وكان شيخًا مُسِنًّا، داهية، ووقع في أسْر المسلمين غير مرَّة في الحروب، ويتخلّص بمكرْه وحيله، وتملك بعده القومص كندانجور، فلم يكن له رأي، فاضطربوا واختلفوا ولله الحمد.

وتملك دمشق شمس الملوك إسماعيل بعد أبيه تاج الملوك بوري بن طُغتِكين، فقام بأعباء الأمر، وخافته الفرنج، ومهد الأمور، وأبطل بعد المظالم، وفرح النّاس بشهامته وفَرْط شجاعته، واحتملوا ظلمه. -[351]-

وفيها كانت وقعة بهَمَذان بين طُغْرُل بن محمد وبين داود بن محمود بن محمد، فانتصر طغرل.

وفيها وَزَر أنُوشُرْوان بن خالد للمسترشد بعد تمنع، واستعفاء.

وعاد دُبَيْس بعد الهزيمة يلوذ ببلاده، فجمع وحشد، وكانت الحِلَّة وأعمالها في يد إقبال المسترشدي، وأمد بعسكرٍ من بغداد، فهزم دبيسا، وحصل دُبَيْس في أَجَمة فيها ماء وقصب ثلاثة أيّام، لَا يأكل شيئًا، حتّى أخرجه جماس على ظهره وخلصه.

وقدم الملك داود بن محمود إلى بغداد.

وفيها قبض الخليفة على الوزير شرف الدّين، وأخذ سائر ما في دياره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015