وردت أخبار بأنّ في جُمَادى الأولى ارتفع سحاب أمطر بلدَ الموصل مطرًا عظيمًا، وأمطر عليهم نارًا أحرقت من البلد مواضع ودُورًا كثيرة، وهرب الناس.
وفيها كسرت الفرنج على دمشق، وقُتِلَ منهم نحو عشرة آلاف، ولم يفلت منهم سوى أربعين، وَصَل الخبر إلى بغداد بذلك، وكانت ملحمة عظيمة.
وفيها كانت ملحمة كبرى بين ابن تاشَفين، وبين جيش ابن تومرت، فقُتل من الموحّدين ثلاثة عشر ألفًا، وقُتِلَ قائدهم عبد الله الونشريسي، ثم تحيز عبد المؤمن بباقي الموحدين، وجاء خبر الهزيمة إلى ابن تومرت وهو مريض، ثم مات في آخر السنة.
وفيها راسل زنكي ابن آقْسُنْقُر صاحب حلب تاج الملوك بوري يلتمس منه إنفاذ عسكره ليحارب الفرنج، فتوثّق منه بأيمانٍ وعُهُود، ونفذ خمسمائة فارس، وأرسل إلى ولده سونج وهو على حماة أن يسير إلى زنكيّ، فأحسن ملتقاهم وأكرمهم، ثمّ عمل عليهم، وغدر بهم، وقبض على سونج وجماعة أمراء، ونهب خيامهم، وهرب الباقون، ثم زحف إلى حماة فتملكها، ثم ساق إلى حمص، وغدر بصاحبها خيرخان بن قراجا واعتقله، ونهب أمواله، وطلب منه أن يسلمه حمص، ففعل، فأبى عليه نوابه بها، فحاصرها زنكيّ مدَّة، ورجع إلى الموصل ومعه سونج، ثم أطلقه بمالٍ كثير.
وفيها قُتِلَ صاحب مصر الخليفة الآمر بأحكام الله.
وفي سنة أربعٍ قُتِلَ أمير سمرقند، فسار السّلطان سنجر فاستولى عليها، ونزل محمد خان من قلعتها بالأمان، وهو زوج بنت سنجر، وأقام سنجر بسمرقند مدة.
وأمّا أهل حلب فكانوا مع الفرنج الّذين استولوا على حصن الأثارب في ضرٍ شديد لقربهم منهم، والأثارب على ثلاثة فراسخ من غربيّ حلب، فجاء عماد الدّين زنكيّ في هذا العام وحاصره، فسارت ملوك الفرنج لنجدته -[348]- وللكشف عنه، فالتقاهم زنكيّ، واشتدّ الحرب، وثبت الفريقان ثباتًا كُلّيًا، ثمّ وقعت الكسرة على الملاعين، ووضع السيف فيهم، وأسر منهم خلْق، وكان يومًا عظيمًا، وافتتح زنكيّ الحصن عنوةً، وجعله دكًا.
ثمّ نزل على حارِم، وهي بالقرب من أنطاكيَّة، فحاصرها، وصالحهم على نصف دَخْلها، ومنها ذلَّت الفرنج، وعلموا عجزهم عن زنكيّ، واشتدّ أزر المسلمين.
وعدّى زنكيّ الفُرات، فنازل بعض ديار بكر، فحشد صاحب ماردين لقتاله، ونَجَده ابن عمُّه داود بن سُقْمان من حصن كَيْفا، وصاحب آمِد، حتى صاروا في عشرين ألفًا، فهزمهم زنكي، وأخذ بعض بلادهم.
وفيها مات الآمر بأحكام الله صاحب مصر، وولي بعده الحافظ.
وفيها ماتت زوجة السّلطان محمود خاتون بنت السلطان سنجر.
وفيها قتل بيمند صاحب أنطاكية.
وفيها وَزَر بدمشق الرّئيس مفرّج ابن الصّوفي.
وفيها ظهر ببغداد عقارب طيارة، لها شوكتان، وخاف النّاس منها وقد قتلت جماعة أطفال.
وفيها تملك السلطان محمود قلعة ألموت.