397 - أحمد بن محمد بن محمد، الواعظ أبو الفتوح الغزالي،

397 - أحمد بن محمد بن محمد، الواعظ أبو الفتوح الغزَّاليُّ، [المتوفى: 520 هـ]

أخو الإمام أبي حامد الغزَّالي، الطُّوسيُّ.

كان صوفيًّا متزهِّدًا، ثم وعظ فكان بليغاً مفوَّهاً قادراً على ما يورده، ظهر له القبول التَّام، وكان يحضره خلائق، وقد جمع صاعد اللَّبَّان من مجالس وعظه مجلَّدين، وقد ناب عن أخيه بتدريس النِّظامية.

وعظ في دار السلطان محمود فأعطاه ألف دينار، فلما خرج رأى فرس الوزير فركبه، فأخبروا الوزير فقال: دعوه، ولا يُعاد إليَّ الفرس؛ حكى ذلك ابن الجوزي في "المنتظم"، وقال: خرج يوماً إلى ناعورة فسمعها تئن فرمى طيلسانه عليها، فتمزق قطعاً. وكانت له نكت، إلا أن الغالب على كلامه التَّخليط ورواية الموضوعات والحكايات الفارغة والمعاني الفاسدة، من ذلك أنه قال: نزل إسرافيل بمفاتيح الكنوز عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده جبريل، فاصفر -[311]- وجه جِبْرِيلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا إسرافيل، هل نَقَصَ مما عنده شيء؟ قال: لا. قال: ما لا ينقص الواهب ما أريده.

وقال: دخل يهودي على الشيخ أبي سعيد، فقال: أريد أن أُسْلِم. قال له: لا تُرِدْ. فقال النَّاس: يا شيخ تمنعه الإسلام؟ فقال له: تريد بلا بد؟ قال: نعم. قال: برئت من نفسك ومالك؟ قال: نعم. قال: هذا الإسلام عندي، احملوه إلى الشَّيخ أبي حامد حتى يعلِّمه لألأ المنافقين، يعني: لا إله إلا الله. ثم قال أحمد الغزَّالي: إنَّ الذي يقول: لا إله إلا الله غير مقبول، ظنوا أنَّ لا إله إلا الله منشور ولايته، ذا منشور عَزْله.

قال: وحكى عنه القاضي أبو يعلى ابن الفرَّاء، يعني الصغير، أنه صعد يوماً، فقال: يا معشر المسلمين، كنت دائماً أدعو إلى الله، وأنا اليوم أحذركم منه، والله ما شُدَّت الزَّنانير إلا من حُبَّه، ولا أُدِّيت الجزية إلا في عشقه.

وقال محمد بن طاهر المقدسي: كان أحمد الغزَّالي آية في الكذب، يتوصل إلى الدُّنيا بالوعظ، سمعته بهمذان يقول: رأيت إبليس في وسط هذا الرِّباط يسجد لي. قال ابن طاهر: فقلت: ويحك إنَّ الله أمره بالسجود لآدم فأبى، فقال: والله لقد سجد أكثر من سبعين مرة، فعلمت أنه لا يرجع إلى دين.

قال: وكان يزعم أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في اليقظة، ويذكر على المنبر أنه كلَّما أشكل عليه أمر سأل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فدله على الصواب. قال: وسمعته يوماً يحكي حكاية، فلما نزل سألته عنها، فقال: أنا وضعتها.

وقال ابن الجوزي: كان أيضاً يتعصَّب لإبليس ويعذره حتى قال يوماً: لم يدر ذلك المسكين أن أظافير القضاء إذا حكَّت أدْمَت، وقسي القدر إذا رمَت أصمت. وحضر يوسف بن أيوب الهمذاني مجلسه فقال: مدد كلام هذا شيطاني لا ربَّاني، ذهب دينه والدُّنيا لا تبقى له. -[312]-

قال ابن الجوزي: ثم شاع عنه أنه يقول بالشاهد وينظر إلى المُرد ويجالسهم، وكان له مملوك تركي.

وقال أبو سعد السَّمعاني: كان مليح الوعظ، حلو الكلام، حسن المنظر، قادراً على التَّصرُّف، اجتهد في شبيبته بطوس غاية الاجتهاد، واختار الخلوة، ثم خدم الصُّوفية بنفسه.

وقال غيره: إنه درَّس بالنِّظامية ببغداد نيابة عن أخيه.

ومن شعره:

أَنَا صبٌّ مُسْتهامُ ... وهمومٌ لي عظامُ

طال ليلي دون صُحبي ... سهرتْ عينيّ وناموا

بي غليلٌ وعليل ... وغريم وغرامُ

ففؤادي لحبيبي ... ودمي لَيْسَ حرامُ

ثمّ عِرضي لعَذُولي ... أمّة العشق كرام

قال ابن الجوزي وابن خلِّكان: توفي بقزوين سنة عشرين. وقد ذكره ابن الصَّلاح في "طبقات الشَّافعية" فقال: كان يلقب بلقب أخيه حجة الإسلام زين الدِّين، كان أحد فرسان المذكِّرين، رأيت من وعظه أربع مجلَّدات، فإذا هي مشتملة على شقاشق الوعَّاظ وحرفهم وجسارات متأخري الصُّوفية وعسفهم. وكان عنده مخاشنة في كلامه لاسيما في أجوبته، وكان يقول: الفقهاء أعداء أرباب المعاني، ينصر بقوله هذا كلَّ ما يدعيه من علوم القلوب، وأنها تطالع بصفائها أحكام الغيوب. وكان المقدسي العثماني ببغداد ينكر كلامه ويلوِّح هو بالطَّعن في العثماني وأنه غير عارف بكلامه، وأنه واقف مع صورة الكلام، ولم يصل بعد إلى حقائق المعاني.

ومن كلامه: الأسرار مصونة بإنكار الأغيار. وقال: إنكار الأغيار سور على أسرار الأبرار، والأسرار مقبورة في قلوب الأحرار إلا في وقت من -[313]- الأوقات عتت عن أمر ربِّها فإذا رجع النَّظر إلى المصالح {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي}.

قال: وطلب يوماً في المجلس مالاً يقضي دينه فما أعطوه شيئاً وطالت عليه الأيام، وذكر محمد بن طاهر أنه سمعه يقول: لا أحتاج إلى الحديث، مهما قلت سُمِعَ مني!

ومن كلامه: يا هذا تكلَّفت ما ليس إليك، طُلِبَ منك ما لم تُعْطِه، فإن رأيت نفسك مجبورة على فعل ما لا يُرْضَى فارض أنت بما يُفعل، وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

وله من هذا النمط مؤلفات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015