-سنة ثمان عشرة وخمسمائة

وردت الأخبار بأنّ الباطنيّة ظهروا بآمِد وكثُرُوا، فنفر إليهم أهل آمد، فقتلوا منهم سبعمائة رجل.

وردت شحنكية بغداد إلى سعد الدولة برنقش الزكوي، وأمر البرسقي بالعود إلى الموصل.

وفيها التقى صاحب حلب بَلْك بن بهرام هُوَ والفرنج، فهزمهم وقتل منهم خلقًا، وعاد فحاصر مَنْبج، وهي لحسّان البَعْلَبَكّيّ، فجاءه سهمٌ غرب -[164]- قتله، وكان معه ابن عمه تمرتاش بْن إيلغازيّ، فحمله قتيلًا إلى ظاهر حلب، وتسلّمها في ربيع الأوّل مِن السّنة. واستقرّ بها، ثمّ رتَّب بها نائبًا لَهُ وردّ إلى ماردين؛ لأنّه رَأَى الشّام كثيرة الحروب مَعَ الفرنج، وكان يحبّ الرّاحة، فلمّا رد أخذت حلب منه.

وفيها أخذت الفرنج صور، وكان بها عسكر للعبيديين ونائب إلى سنة ست وخمسمائة، فحاصرتها الفرنج، وخرَّبوا ضِياعها، ثمّ نَجَدَهُم صاحب دمشق طُغتِكين، وأمدَّهم بما يُصلحهم، ولم يقطع منها خطبة المصرييّن، فبعث إليه صاحب مصر يشكره ويثني عليه، وجهز لها أسطولًا.

واستقام أمرها عشر سنين بالأمير مسعود الطّغْتكِينيّ، لكنّه كثرت الشّكاية منه، فجاء أسطول مِن مصر، ومعهم أمرٌ أن يقبضوا عَلَى مسعود، فخرج مسعود للسلام على مقدم الأسطول، وطلع إلى المركب، فقبض عَليْهِ المقدّم، ونزل إلى البلد، فاستولى عَليْهِ، وبعث مسعودًا إلى مصر، فأكرموه وردوه إلى دمشق، فرضي طغتكين بذلك.

وتحرّكت الفرنج، وقويت أطماعهم. فرأى المصريّون أن يردّوا أمرها إلى طُغتِكين، وراسلوه بذلك، فملكها، ورتب بها الجند، فنازلتها الفرنج، وجَدُّوا في الحصار، وقلَّت بها الأقوات. وسار طُغتِكين إلى بانياس ليرهب الفرنج، فما فكّروا فيه، واستنجد بالمصرييّن، فما نجدوه.

وتمادت الأيام، وأشرف أهلها على الهلاك، فراسل طغتكين ملك الفرنج، على أن يسلمها إليه، ويمكن أهلها مِن حمل ما يقدرون عَليْهِ مِن الأمتعة، فأجابه إلى ذَلِكَ، ووفى بالعهد. وتفرَّقت أهلوها في البلاد، ودخلتها الفرنج في الثّالث والعشرين مِن جُمَادَى الأولى، وكانت مِن أمنع حصون الإسلام، فإنا لله وإنّا إِليْهِ راجعون، ودامت في يد الفرنج إلى سنة تسعين وستمائة.

وفيها عزل عن بغداد البرسقي، وولي سعد الدولة برنقش الزكويّ؛ لأن المسترشد نفر عَنِ البُرْسُقيّ، وطلب من السلطان أن يصرفه، فأجابه.

وسار عماد الدّين زنكي مِن البصرة، وكانت إقطاعه، إلى خدمة السّلطان محمود، فأكرمه وردّه على إمرة البصرة.

وفي ذي الحجّة ملك البُرْسُقيّ مدينة حلب، وكانت الفرنج لمّا ملكوا -[165]- صور طمِعوا، وقويت نُفُوسهم. ثمّ وصل إليهم دُبَيْس بْن صَدَقة، قبّحه الله، فطمَّعهم أيضًا في المسلمين، وقال: إنّ أهل حلب شيعة، ويميلون إلى، ومتى رأوْني سلّموها إلى، فأكون نائبًا لكم. فساروا معه، وحاصروا حلب حصارًا شديدًا، فاستنجد أهلها بالبُرْسُقيّ، فسار إليها بجيوشه، فترحل الفرنج عنها وهو يراهم، فلم يهجمهم، ودخل حلب ورتّب أمرها.

وورد الخبر بأنّ دُبَيْس بْن صَدَقة التجأ إلى المُلْك طُغْرُلْبَك أخي السّلطان محمود بعد عوده مِن الشّام، وأنّهما عَلَى قصْد بغداد، فتأهَّب الخليفة، وجمع الجيوش من كل ناحية.

وجاء الوباء ببغداد وإلى البصرة في ربيع الأول.

وتزوج الخليفة ببنت السلطان سنجر.

وفيها أخذ جماعة من الباطنية كانوا قدموا في قافلة، فقتلوا ببغداد، قِيلَ: جاءوا لقتل الوزير ابن صَدَقة والأمير نظر، وأُخذ في الجملة ابن أيّوب قاضي عكبرا ونهبت داره، فقيل: كانت عنده مدارج مِن كُتُب الباطنيّة، وأخذ آخر كان يعينهم بالمال.

وفيها قُبِض عَلَى ناصح الدّولة أستاذ الدّار وصودر، وقرر عليه أربعون ألف دينار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015