274 - محمد ابن الهبارية، هو محمد بن محمد بن صالح بن حمزة بن محمد بن عيسى بن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ داود بْن عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بن عبد الله بن عباس، أبو يعلي الهاشمي، العباسي، البصري. [المتوفى: 509 هـ]
والهبارية هي من جداته، وهي من ذرية هبار بن الأسود بن المطلب.
قرأ الأدب ببغداد، وخالط العلماء، وسمع الحديث، ومدح الوزراء والأكابر. وله معرفة بالأنساب، وصنَّف كتاب " الصّادح والباغم والحازم والعازم "، نظمه لسيف الدّولة صَدَقة، وضمّنه حكَمًا وأمثالًا، ونظم كليلة ودِمْنة، وله كتاب " مجانين العقلاء "، وغير ذَلِكَ. وله كتاب " ذِكر الذّكْر وفضل الشّعْر ".
وقد بالغ في الهجو حتّى هجا أَبَاهُ وأمّه، وشعره كثير سائر، فمنه قصيدة شهيرة، أوّلها:
حَيّ عَلَى خير العمل
يقول فيها:
لو كان لي بضاعه ... أو في يدي صناعه
أكفى بها المَجَاعَهْ ... لم أخلع الخلاعةْ
ولم أُفِقْ مِن الخذَل ... ولا درستُ مسألَهْ
ولا رحلت بعملهُ ... ولا قطعت مجهلهْ
ولا طلبت منزلهْ -[128]-
ولا تعلّمتُ الْجَدَل ... ولا دخلتُ مدرسهْ
سِباعها مفترسهْ ... وجوههم معبَّسَهْ
ما لي وتلك المَنْحَسَةْ ... لولا النّفاقُ والخَبَل
الأصفر المنقوش ... شيدت بِهِ العروش
بِهِ الفتى يعيش ... وباسمه يطيش
مولاه ما شاء فعل ... يا عجبًا كلّ العَجَب
لا أدبٌ ولا حَسَب ... ولا تُقَى ولا نَسَب
يُغْني الفتى عَنِ الذَّهَب ... سبحانه عزّ وجل
بؤسًا لربّ المحبره ... وعيشه ما أكدره
ودرسه ودفترهْ ... يا ويله ما أدْبَرَهْ
إنّ لم تصدّقني فَسَل ... اصعد إلى تِلْكَ الغُرَف
وانظر إلى تلك الحِرفَ ... وابك لفضلي والشَّرَف
واحكم لضريّ بالسَّرَف ... واضرب بخذلاني المثل
وله القصيدة الطويلة التي أولها:
لو أن لي نَفْسًا هَربتْ لِما ... أَلْقى، ولكنْ لَيْسَ لي نَفْسُ
ما لي أُقيمُ لدى زعانفةٍ ... شُمّ القُرُون أُنُوفُهم فُطْسُ
لي مأتمٌ مِن سوء فِعْلِهِمُ ... ولهم بحُسن مدائحي عُرْسُ
وهجا في هذه القصيدة الوزير، والنقيب، وأرباب الدّولة بأسرهم فأطيح دمه، فاختفى مدّة، ثمّ سافر ودخل إصبهان، وانتشر ذِكره بها، وتقدَّم عند أكابرها، فعاد إلى طبْعه الأوّل، وهجا نظام المُلْك، فأهدر دمه، فاختفى، وضاقت عَليْهِ الأرض. ثمّ رمى نفسه عَلَى الإمام محمد بْن ثابت الخُجَنْديّ، -[129]- فتشفّع فيه، فعفا عَنْهُ النظام، فاستأذن في مديح، فأذن لَهُ فقام، وقال قصيدته الّتي أوّلها:
بعزّة أمرك دار الفَلَك ... حنانَيْك فالخَلْقُ والأمرُ لك!
فقال النظام: كذبْتَ، ذاك هُوَ الله تعالى.
وتمّم القصيدة، ثمّ خرج إلى كَرمان وسكنها، ومدح بها، وهجا عَلَى جاري طبيعته. وحدث هناك عن: أبي جعفر ابن المسلمة. سمع منه: محمد بْن عَبْد الواحد الدقاق، ومحمد بن إبراهيم الصيقلي في آخر سنة ثمان وتسعين.
وروى عنه: القاضي أحمد بن محمد الأرجاني الشاعر حديثًا عَنْ مالك البانْياسيّ.
قَالَ ابن النّجّار: فأخبرنا محمد بْن مَعْمَر الْقُرَشِيّ كتابةً أنّ أبا غالب محمد بن إبراهيم أخبره قال: أخبرنا أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح العباسي الشاعر بكرمان، قال: أخبرنا ابن المسلمة سنة ستين وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو الفضل الزهري، قال: أخبرنا الفريابي، قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا محمد بن جحادة - فذكر حديثًا.
وقد روى عَنْهُ مِن شِعْره: عُمَر بْن عَبْد الله الحربيّ، وأبو الفتح محمد بن علي النطنزي، وأحمد بن محمد بْن حفص الكاتب، وآخرون.
ومن غُرر قصائده قولّه:
يا صاحبي هات المُدامَة هاتِها ... فصبيحة النَّيْرُوز مِن أوقاتها
كَرْميّة، كَرَميّةً، ذهبيّةً ... لهبيّةً، بِكْرًا تقوم بذاتها
رقَّت وراقت في الزّجاج فخِلْتُها ... جادت بها العشّاق مِن عَبراتها
مِن كفّ هَيْفَاء القوام كأنّما ... عصرت سلّاف الخمْر مِن وَجَناتها
السّحْر في ألحاظها، والغَنْجُ في ... الفاظها، والدَّلّ في حَرَكاتها
أوَما ترى فصلَ الرّبيع وطِيبَه ... قد نَبّه الأرواح مِن رَقَداتها
والطَّيْرُ تصدح في الغُصون كأنمّا ... مَدَحَتْ نظامَ المُلْك في نَغَماتها
فانهض بنا وانشط لنأخُذَ فُرصةً ... مِن لذّة الأيّام قبل فَوَاتها
يا صاحِبَيْ سرّى فلا أُخفيكما ... ما أطيب الدُّنيا على علاتها -[130]-
قُمْ فاسقِنيها بالكبير، ورُحْ إلى ... راحٍ تُريح النفس من كرباتها
إن مت مِتُّ فخلّني وغوايتي ... إنّ الغواية حُلْوةٌ لِجُناتها
ولقد جريت على الصبابة والصّبي ... وجذبت أقراني إلى غاياتها
ثمّ ارْعَوَيْتُ وما بكفّي طائل ... مِن لذّة الدُّنيا سوى تبعاتها
وهي قصيدة طويلة.
قَالَ الأرجانيّ: سَأَلت ابن الهبّاريّة عن مولده، فقال: سنة أربع عشرة وأربعمائة.
وقال أبو المكارم يعيش بْن الفَضْلُ الكرماني الكاتب: مات بكرمان في جُمَادَى الآخرة سنة تسع وخمسمائة.
ولابن الهبارية:
وإذا البياذق في الدُّسْوت تَفَرْزَنَتْ ... فالرّأي أن يتبَيْذق الفِرْزانُ
خُذْ جُملة البَلْوَى ودعْ تفصيلها ... ما في البَريّة كلّها إنسانُ