195 - محمد بْن أَبِي العبّاس أحمد بْن محمد بْن أحمد بْن إسحاق، الرئيس أبو المظفَّر الأُمَويّ، الْمَعَاويّ، الأبِيَوَرْدِيّ، اللُّغَويّ، الشّاعر المشهور، [المتوفى: 507 هـ]
مِن أولاد عَنْبَسة بْن أَبِي سُفْيَان بْن حَرْبِ بْن أُميّة.
كَانَ أوحد عصره، وفريد دهره في معرفة اللُّغة والأنساب، وغير ذَلِكَ.
وله تصانيف كثيرة مثل "تاريخ أَبِيَوردْ ونَسَا ". وكان حَسَن السّيرة، جميل -[100]- الأمر، مَنْظرانيا مِن الرجال، وكان فيه تيه وتكبُّر، وكان يفتخر بنسَبِه ويكتب: الْعَبْشَميّ الْمَعَاويّ، لا أنّه مِن وُلِد معاوية بْن أبي سُفْيان، بل مِن وُلِد معاوية بْن محمد بن عثمان بن عتبة بْن عَنْبَسة بْن أَبِي سُفْيان.
وله شِعْرٌ فائق، وقسَّم ديوان شِعْره إلى أقسام، منها العراقيّات، ومنها النَّجْديّات، ومنها الْوَجْديّات.
وأثنى عليه أبو زكريّا بْن مَنْدَهْ في تاريخه بحُسن العقيدة، وجميل الطّريقة، وكمال الفضيلة.
وقال ابن السّمعانيّ: صنَّف كتاب " المختلف "، وكتاب " طبقات العِلْم "، " وما اختلف وائتلف مِن أنساب العرب "، وله في اللُّغة مصنَّفات ما سُبِق إليها.
سَمِعَ: إسماعيل بْن مَسْعدة الإسماعيليّ، وأبا بَكْر بْن خلف الشّيرازيّ، ومالك بْن أحمد البانياسي، وعبد القاهر الْجُرْجانيّ النَّحْويّ، وسمعتُ غير واحد من شيوخي يقولون: إنّه كَانَ إذا صلّي يَقُولُ: اللهمَّ ملّكني مشارق الأرض ومغاربها.
وذكره عَبْد الغافر فقال: فَخْر العرب، أبو المظفّر الأبِيَوَرْدِيّ، الكوفنيّ، الرئيس، الأديب، الكاتب، النَّسّابة، مِن مفاخر العصر، وأفاضل الدهر، له الفضائل الرائقة، والفصول الفائقة، والتّصانيف المعجزة، والتّواليف المعجبة، والنَّظْم الَّذِي نسخ أشعار المحدثين، ونسج فيه عَلَى منْوال الْمَعَرّي ومن فوقه مِن المفلِقين، رَأَيْته شابًا قام في درس إمام الْحَرَمَيْن مِرارًا، وأنشأ فَيه قصائد طِوالًا كبارًا، يلفظها كما يشاء زَبَدًا مِن بحر خاطره، كما نشأ ميسّر له الإنشاء، طويل النفس، كثير الحفظ، يلتفت في أثناء كلامه إلى الفقر والوقائع والاستنباطات الغريبة، ثم خرج إلى العراق، وأقام مدّة يجذب فضله بضبعه، ويشتهر بين الأفاضل كمال فضله، ومتانة طبْعه حتّى ظهر أمره، وعلا قَدره، وحصل لَهُ مِن السّلطان مكانة ونعمة، ثمّ كَانَ يرشح من كلامه نوع تشبيب بالخلافة، ودعوة إلى اتباع فضله، وادعاء استحقاق الإمامة، يبيض وسواس الشيطان في رأسه ويفرخ، ويرفع الكِبْرَ بأنفه ويَشْمُخ، فاضطّره الحال إلى مفارقة بغداد، ورجع إلى هَمَذَان، فأقام بها يدرّس ويفيد، ويصنَّف مدّة.
ومن شِعْره: -[101]-
وهَيْفاء لَا أُصغي إلى مِن يَلُومُني ... عليها، ويغريني بها أن يَعيبَها
أميل بإحدى مُقْلَتَيَّ إذا بَدَتْ ... إليها، وبالأُخْرى أُراعي رقيبَها
وقد غَفَلَ الواشي فلم يدْرِ أنّني ... أخَذْتُ لعيني مِن سُلَيْمَى نصيبَها
وله:
أكوكبٌ ما أرى يا سَعْد أمْ نارُ ... تشُبُّهَا سَهْلَةُ الْخَدَّين مِعْطارُ
بيضاءُ إنّ نَطَقَتْ في الحيّ أو نَظَرَتْ ... تَقَاسَمَ الشَّمْس أسماعٌ وأبصارُ
والرَّكْبُ يسيرون والظَّلْماءُ راكدةٌ ... كأنَّهُمْ في ضمير اللّيل أسرارُ
فاسْرَعُوا وطُلا الأعناق مائلة ... حيث الوسائد للنوام أكوار
أُنبئتُ عَنْ حمّاد الحَرّانيّ، قَالَ: سَمِعْتُ السّلَفيّ يَقُولُ: كَانَ الأبِيَوَرْدِيّ - والله - مِن أهل الدّين والخير والصلاح والثقة، قَالَ لي: والله ما نمت في بيتٍ فيه كتاب الله، أو حديث رسول لله، احترامًا لهما أن يبدو منّي شيء لَا يجوز.
أنشدنا أبو الحسين اليونيني، قال: أخبرنا جعفر، قال: أخبرنا السلفي: قال: أنشدنا الأبِيَوَرْدِيّ لنفسه:
وشادنٍ زارني عَلَى عَجَلٍ ... كالبدر في صَفْحة الدُّجا لَمَعَا
فلم أزلْ مُوهِنًا لحديثه ... والبدْرُ يُصْغي إليّ مُسْتَمِعا
وصلْتُ خدّي بخدّه شَغَفًا ... حتى التقى الرَّوْض والغدِيرُ معًا
وقال أبو زكريّا بْن مَنْدَهْ: سُئل الأديب أبو المظفَّر الأبِيَوَرْدِيّ عَنْ أحاديث الصّفات، فقال: تقر وتمر.
وقال أبو الْفَضْلُ بْن طاهر المقدسيّ: أنشدنا أبو المظفَّر الأبِيَوَرْدِيّ لنفسه:
يا مِن يُساجِلُني وُلّيس بمُدْرِكٍ ... شأوي، وأين لَهُ جلالةُ مَنْصبي
لا تتعتبن فدون ما حاولته ... خرط القتادة وامتطاء الكوكب
والمجدُ يعلمُ أيُّنَا خيرٌ أبًا ... فأسالْهُ يعلم أيُّ ذي حَسَبٍ أَبِي
جدّي مُعاويةُ الأَغَرّ سَمَتُ بِهِ ... جُرثُومةٌ مِن طِينها خُلِق النَّبِيّ
ورثته شرفًا رفعتُ مَنَاره ... فبنو أُمَيَّة يفخرون بِهِ وبي -[102]-
وَقِيلَ: إِنَّهُ كتب رقعة إلى الخليفة المستظهر بالله، وَعَلَى رأسها: المملوك المعاوي، فحك الخليفة الميم، فصار العاوي، ورد إِلَيْهِ الرقعة.
ومن شِعْره:
تنكَّر لي دهري ولم يدر أنّني ... أعزّ وأحداث الزّمان تَهُونُ
فبات يُريني الخطْب كيف اعتداؤه ... وبِتُّ أريه الصَّبْرَ كيف يكون
ومن شِعْره:
نزلنا بنُعْمان الأراكِ وللنَّدَى ... سَقيطٌ بِهِ ابتلَّتْ علينا المطارفُ
فبِتُّ أُعاني الوجْدَ والركْبُ نُوَّمُ ... وقد أخَذَتْ منّا السّرَى والتّنائفُ
وأذكر خُودًا إنْ دَعاني عَلَى النَّوَى ... هواهَا أجابتْهُ الدّموعُ الذَّوارفُ
لها في مَغَاني ذَلِكَ الشّعْبِ منزلٌ ... لئنْ أنْكَرَتْه العينُ فالقلبُ عارفُ
وقفتُ بِهِ والدَّمْع أكثرُهُ دَمٌ ... كأنيّ مِن جَفْني بنعمان راعف
أنشدنا أبو الحسين ببعلبك: قال: أنشدنا أبو الفضل الهمداني: قال: أنشدنا السلفي: قال: أنشدنا الأبِيَوَرْدِيّ لنفسه:
مِن رَأَى أشباحَ تِبْرٍ ... حُشيَتْ رِيقةَ نَحلهْ
فجمعناها بُذُورًا ... وقَطَعْناها أهِلَّهْ
تُوُفِّي بإصبهان في ربيع الأول مسموما.