قَالَ البكّائي، عَنِ ابن إِسْحَاق: ثُمَّ أقام رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة ذا الْحَجَّةِ والمحرَّم وصَفَرًا وشهرَيْ ربيع، وخرج فِي جُمَادى الأولى إلى بني لحْيان يطلب بأصحاب الرَّجيع: خُبَيْب بْن عَدِيّ وأصحابه، وأظهر أنّه يريد الشام ليصيب من القوم غِرَّةً، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رؤوس الجبال. فقال: لو أنّا هبطنا عُسْفان لرأى أهلُ مكة أنّا قد جئنا مكة. فهبط في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان. ثم بعث فارسَيْن من أصحابه حتى بلغا كِراعَ الغَمِيم، ثم كرا. وراح قافلا.
ثم قدم المدينة فأقام بِهَا ليالي، فأغار عُيَيْنَة بْن حصْن فِي خيل من غَطفان عَلَى لِقَاحِ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغابة، وفيها رَجُل من بني غِفار وامرأة، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة فِي اللّقاح.
وكان أوّل من نذر بهم سَلَمَةُ بْن الأكْوَع، غدا يريد الغَابة ومعه غلام لطلحة بْن عُبَيْد الله معه فَرَسه، حتى إذا علا ثَنِيَّةَ الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف فِي ناحية من سَلْع، ثُمَّ صرخ: واصَبَاحاه، ثُمَّ خرج يشتدّ فِي آثار القوم، وكان مثل السّبع، حتى لحق بالقوم. وجعل يردّهم بنَبْله، فإذا وُجّهت الخيل نحوه هرب ثُمَّ عارضهم فإذا أمكنه الرمْي رمى. وبلغ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فصرخ بالمدينة: الفَزَعَ الفَزَعَ. فترامت الخيول إلى