165 - ملكشاه، السلطان جلال الدولة أبو الفتح ابن السلطان ألب أرسلان محمد بن داود السلجوقي.

165 - مَلِكْشَاه، السّلطان جلال الدّولة أبو الفتح ابن السّلطان ألْب أرسلان محمد بن داود السلجوقي. [المتوفى: 485 هـ]-[553]-

أوصى إليه أبوه بالمُلْك، ووصّى به وزيرَه نظام المُلْك، وأوصى إليه أن يفرّق البلادَ على أولاده، وأن يكون مرجعهم إلى ملكشاه، وذلك في سنة خمسٍ وستّين، فخرج عليه عمّه صاحب كرْمان، فتواقعا وقعةً كبيرة بقُرب همذان، فانهزم عمه، ثم أتي به أسيرًا فقال: أمراؤك كاتبوني، وأحضر كُتُبَهم في خريطة، فناولها لنظام المُلْك ليقرأها، فرمى بها في مِنْقَل نارٍ بين يديه، فأحرقها، فسكنت قلوب الأمراء، وبذلوا الطّاعة. وكان ذلك سبب ثبات ملكه، وخنق عمَّه بوَتَر. وتمَّ له الأمر، وملك من الأقاليم ما لم يملكه أحدٌ من السّلاطين، فكان في مملكته جميع بلاد ما وراء النّهر، وبلاد الهَيَاطِلَة، وباب الأبواب، وبلاد الرّوم، والجزيرة، والشّام. وملك من مدينة كَاشْغَر، وهي أقصى مدينة بالتُّرْك إلى بيت المقدس طولًا، ومن القُسْطَنْطِينيّة إلى بلاد الخَزَر وبحر الهند عرضًا.

وكان من أحسن الملوك سيرة، ولذلك كان يُلقَّب بالسّلطان العادل، وكان منصورًا في حروبه، مغرى بالعمائر؛ حفر الأنهار، وعمّر الأسوار والقناطر، وعمَّر جامعًا ببغداد، وهو جامع السّلطان، وأبطل المُكُوس والخفّارات في جميع بلاده. كذا نقل ابنُ خَلِّكان في " تاريخه " فالله أعلم.

قال: وصنع بطريق مكّة مصانع للماء، غرِم عليها أموالًا كثيرة. وكان لهِجًا بالصَّيْد، حتّى قِيل إنّه ضُبط ما اصطاده بيده، فكان عشرة آلاف وحش، فتصدَّق بعشرة آلاف دينار، وقال: إنّي خائف من الله لإزهاق الأرواح لغير مأكَلَةٍ. شيَّع مرّةً الحاجّ، فتعدَّى العُذَيْب، وصاد في طريقه وحشًا كثيرًا، يعني هو وجُنْدُه فبنى هناك منارةً، من حوافر حُمْر الوحْش وقرون الظِّباء؛ وهي باقية تُعرف بمنارة القرون.

وأمّا السُّبُل فأمِنَت في أيّامه أمرًا زائدًا، ورخصت الأسعار، وتزوج أمير المؤمنين المقتدي بالله بابنته. وكان السّفير بينهما الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ، وكان زفافها إلى الخليفة سنة ثمانين وأربعمائة، وفي صبيحة دخول الخليفة بها -[554]- عمل وليمةً هائلة لعسكر ملكشاه، كان فيها أربعون ألف منًّا سُكَّر، فأولدها جعفرًا.

ودخل ملكْشَاه بغداد مرَّتين، وكان ليس للخليفة معه سوى الاسم، وقدمها ثالثًا متمرِّضًا. وكان المقتدي قد جعَل ولده المستظهر بالله وليَّ العهد، فألزم ملكشاه الخليفة أن يعزله، ويجعل ابن ابنته جعفرًا وليّ العهد، وكان طفلًا؛ وأن يسلّم بغداد إلى السّلطان ويخرج إلى البصرة، فشقَّ ذلك على الخليفة، وبالغ في استنزال السّلطان ملكشاه عن هذا الرّأي، فأبى فاستمهله عشرة أيّام ليتجهَّز، فقيل: إنّه جعل يصوم ويطوي، فإذا أفطر جلس على الرَّماد يدعو على ملكشاه، فقوي به مرضه، ومات في شوّال.

وكان نظام المُلْك قد مات من أكثر من شهر، فقيل: إنّ ملكشاه سُمّ في خلالٍ تخلّل به فهلك، ولم تشهده الدّولة، ولا عُمِل عزاؤه، وحُمِل في تابوت إلى أصبهان، فدفن بها في مدرسةٍ عظيمة، ووقى الله شرَّه، وتزوّج المستظهر بالله بخاتون بنته الأخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015