-سنة تسعين وأربعمائة

فيها قُتِل الملك أرسلان أَرْغُون ابن السّلطان ألْب أرسلان السَّلْجُوقيّ بمَرْو، وكان قد حكمَ على خراسان. وسبب قتله أنّه كان مؤذياً لغلمانه، جبّارًا عليهم، فوثب عليه غلامٌ بسِكّين فقتله. وكان قد ملك مَرْو، وبَلْخ، ونَيْسابور، وتِرْمِذ، وأساء السّيرة، وخرّب أسوار مُدُن خُراسان، وصادر وزيره عماد الملك ابن نظام الملك، وأخذ منه ثلاثمائة ألف دينار، ثمّ قتله.

وفيها عصى متولي مدينة صور على المصريّين، فسار لحربه جيش، وحاصروه، ثمّ افتتحوها عَنْوَةً وقتلوا بها خلْقًا ونهبوها، وحمل واليها إلى مصر، فقتل بها.

وكان بَركيَارُوق قد جهَّز العساكر مع أخيه الملك سَنْجَر لقتال عمّه أرسلان أرغون المتغلِّب على خُراسان، فلمْا بلغوا الدّامَغان أتاهم قتْلُه، ثمّ لحِقهم السّلطان بَركيارُوق، وسار إلى نَيْسابور، فتسلَّمها ثمّ تسلّم سائر خُراسان بلا قتال، ثمّ نازل بلْخ وتسلّمها، وبقي بها سبعة أشهر، وخطبوا له بسَمَرْقَنْد، وغيرها. ودانت له البلاد، وخضعت له العباد. واستعمل أخاه سنجر على خُراسان، ورتَّب في خدمته من يسوس الممالك، لأنه كان حدثاً.

وفيها أمر بركياروق الأمير محمد بنَ أَنُوشتِكِين على خُوارَزْم. وكان أبوه مملوك الأمير بلكابَك السَّلْجُوقيّ، فطلع نجيباً، كامل الأوصاف، فولد له محمد هذا، فعلِّمه وأدَّبه، وترقِّت به الحال إلى أن ولي خُوارَزْم، ولُقِّب خُوارَزْم شاه. وكان كريمًا، عادلًا، محسِنًا، مُحِبًّا للعلماء، فلمّا تملك السّلطان سنجر أقرَّ محمدًا على خُوارَزْم، ولمّا تُوُفّي ولي بعده ولده أتسز بن خُوارَزْم شاه فمدَّ ظُلَل الأمن، ونَشَر العدل، وكان عزيزًا على السّلطان سنجر، واصلًا عنده لشهامته وكفايته وشجاعته، وهو والد السّلطان خُوارَزْم شاه محمد الذي خرج عليه جنكزخان.

وفيها نازل رضوان صاحب حلب مدينة دمشق ليأخذها من أخيه دُقَاق، فرأى حصانتها، فسَار ليأخذ القدس فلم يُمكنه، وانقطعت عنه العساكر. وكان معه ياغي سِيان ملك أنطاكيّة، فانفصل عنه، وأتى دمشق، وحسّن لدُقَاق محاصرةَ حلب، فسَار معه، واستنجد رضوان بسُقْمان بن أرتق، فنجده بجيش التُّركمان، -[486]- وخاض الفُرات إليه. والتقى دُقَاق ورضوان بقِنَّسْرين، فانهزم دُقَاق وجَمْعه، ونُهِبوا، ورجعوا بأسوأ حال. ثمّ قُدّم رضوان في الخطبة على أخيه بدمشق، واصطلحا.

وفيها خُطب للمستعلي بالله المصريّ في ولاية رضوان بن تُتُش، لأنّ جناح الدّولة زوج أمّ رضوان رأى من رضوان تغيُّرًا، فسَار إلى حمص، وهي يومئذٍ له، فجاء حينئذٍ ياغي سيان إلى حلب، وصالح رضوان، وكان لرضوان منجمٌ باطنيٌ اسمه أسعد، فحسّن له مذهب المصريّين، وأتته رُسُل المستعلي تدعوه إلى طاعته، على أن يمدّه بالجيوش، ويبعث له الأموال ليتملّك دمشق، فخطب للمستعلي بحلب، وأنطاكيّة، والمَعَرّة، وشَيْزَر شهرًا. فجاءه سُقْمان، وياغي سِيان، فأنكرا عليه وخوّفاه، فأعاد الخُطْبة العباسية.

ورد ياغي سيان إلى أنطاكية، فما استقرّ بها حتّى نازَلَتْها الفرنج يحاصرونها.

وكانوا قد خرجوا في هذه السّنة في جَمْعٍ كثير، وافتتحوا نيقية، وهو أوّل بلدٍ افتتحوه، ووصلوا إلى فامية، وكَفِرْطَاب، واستباحوا تلك النّواحي. فكان هذا أوّل مظهر الفرنْج بالشّام. قدِموا في بحر القُسطنطينيّة في جَمْعٍ عظيمٍ، وانزعجت الملوك والرّعيّة، وعظُم الخَطْب، ولا سيما سلطان بلاد الرّوم سليمان، فجمع وحشد، واستخدم خلقاً من التركمان، وزحف إلى معابرهم، فأوقع بخلقٍ من الفرنْج، ثمّ إنّهم التقوه، ففلّوا جَمْعَه، وأسروا عسكره، واشتدّ القلق وزاد الفَرَق، وكان المصافّ في رجب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015