في المحرّم قتل أحمد خان صاحب سَمَرْقَنْد، وكان قد كرهه جُنْدُهُ واتَّهموه بالزَّنْدَقة، لأنّ السّلطان ملكشاه لمّا تملّك سَمَرْقَنْد وأسَرَ أحمد خان وَكَلّ به جماعة من الدَّيْلَم، فحسَّنوا له الانْحلال، وأخرجوه إلى الإباحة، فلمّا عاد إلى سَمَرْقَنْد كان يظهر منه الانحلال، وعصى طُغْرُل يَنال بقلعةٍ له، فسَار لحصاره، فتمكَّن الأمراء وقبضوا عليه، ورجعوا به، وأحضروا الفُقهاء، وأقاموا له خصومًا ادَّعوا عليه بالزَّنْدَقة، فأنكر، فشهدوا عليه، فأفتى العلماء بقتْله، فخنقوه، وملّكوا ابن عمه.
وفي صَفَر بعث تتش شَحْنة لبغداد، وهو يوسف بن أبق التُّرْكُمَانيّ، فجاء صَدَقَة بن مزيد صاحب الحلة ومانعه، فسار نحو طريق خُراسان، ونهب باجِسْرى، وبَعْقُوبا أفْحَش نهْبٍ، ثمّ عاد إلى بغداد، وقد راح منها صدَقَة، فدخلها وأراد نَهْبها، فمنعه أميرٌ معه، فجاءه الخبر بقتل تتش فترحل إلى الشّام، وذلك أنّ تتش لمّا هزم بَرْكيارُوق سار بركياروق فحاصر همذان، ثمّ رحل عنه، ومرض بالْجُدَرِيّ، وقصد تتش إصبهان وكاتب الأمراء يدعوهم إلى طاعته، فتوقّفوا لينظروا ما يكون من بركياروق. فلمّا عُوفي فرحوا به، وأقبلت إليه العساكر حتّى صار في ثلاثين ألفًا والتقى هو وتتش بقرب الرّيّ فانكسر عسكر تتش، وقاتل هو حتّى قُتِل، قتله مملوكٌ لقسيم الدّولة، وأخذ بثأر مخدومه.
وانفرد بركياروق بالسّلطنة، ودانت له الممالك بعد أن انهزم من عمّه بالأمس في نفرٍ يسير إلى إصبهان، ولو اتّبعه عشرون فارسًا لأسروه؛ لأنّه بقي على باب إصبهان أيّامًا، ثمّ خدعوه وفتحوا له، ثمّ قبضوا عليه وهموا بكحْله فحُمّ أخوه محمود وجدَّر ومات فملكوه عليهم، وشرعت سعادته.
وقد كان تُتُش بعث إلى ولده رضوان يأمره بالمجيء إلى بغداد، وينزل بدار السّلطنة، فسار في عسكرٍ كبير، فلمّا قارب هِيت جاءه نعيُ أبيه، فردّ إلى -[483]- حلب، وتملّكها بعد أبيه، وجعل زوجَ أمّه جناحَ الدّولة حسينَ بنَ أيْدكين أتَابِكَه ومدبِّر دَولته، فأحسن السّياسة، وصالحهم صاحب أنطاكيّة ياغي سِيان التُّرْكُمَانيّ، فقصدوا ديار بكر، والتفّ عليهم نُوّابُ الأطراف الّذين لتتش، فساروا يريدون سَرُوج، فسبقهم إليها الأمير سقمان بن أرتق، فحكم عليها. ثمّ ملك رضوان الرها، ووهبها لصاحب أنطاكيّة. ثمّ وقع بينهم اختلاف، فسار جناح الدّولة مُسرعًا إلى حلب، ثمّ قدِم رضوان.
وأمّا أخوه دُقَاق الملك فإنّه كان في خدمة عمّه السّلطان ملكشاه، وهو صبيٌّ قد خطب ابنة السّلطان، وسار بعد موت عمّه مع تُركان إلى إصبهان. ثمّ خرج إلى بركياروق، فصار معه، ثمّ هرب إلى أبيه، وحضر مقتل أبيه، وهرب مع بعض المماليك إلى حلب، فبقي مع أخيه، فراسله الخادم ساوتِكِين متولّي قلعة دمشق سرًّا، يدعوه ليملّكه فهرب، وأرسل أخوه وراءه فوارس، فلم يُدركوه، وفرح الخادم بقدومه، وتملك دمشق.
واتّفق مجيء طُغْتِكين هو وجماعة من خواصّ تتش قد سَلِموا، فخرج لتلقّيهم دُقَاق وأكرمهم، وقيل: كانوا قد أُسروا يوم المصافّ، ثمّ تخلّصوا. وكان طُغْتِكِين زوجَ أمِّ دُقَاق، فتمكَّن من الأمور، وعمل على قتل الخادم فقتله.
وجاء إلى الخدمة ياغي سيان صاحب أنطاكيّة، ومعه أبو القاسم الخوارزمي، فاسوزره دقاق.
وفيها تُوُفّي المعتمد بن عَبَّاد مسجونًا بأغْمات وكان من محاسِن الدّنيا جُودًا، وشجاعةً، وسُؤْدُدًا، وفصاحةً، وأدبًا، وما أحسن قوله:
سلَّت عليَّ يدُ الخُطُوبِ سُيوفَها ... فَجَذَذْنَ من جَسَدي الخصيب الأفتنا
ضرَبَتْ بها أيدي الخطوبِ وإنّما ... ضَرَبَتْ رقابَ الآمِلينَ بنا المُنى
يا آملي العاداتِ من نَفَحاتنا ... كُفُّوا، فإنّ الدّهرَ كفَّ أكُفَّنا
وفيها تُوُفّي الوزير أبو شجاع وزير الخليفة مجاوراً بالمدينة.
وفيها عملوا سور الحريم ببغداد، فزيّنوا البلد لذلك، وعملوا القباب والمغاني، وجدوا فيه.
وفي رمضان وثب رجلٌ فجرح السّلطان بركياروق. -[484]-
وفيها قدِم الغزاليّ، رحمه الله، إلى الشّام متزهِّدًا، وصنَّف كتاب " الإحياء " واسْمَعَه بدمشق، وأقام بها نحو سنتين، ثمّ حج، وسار إلى خراسان.
وفيها عزل بركياروق مؤيد الملك ابن النظام من الوزارة بأخيه فخر المُلْك.