استُهِلَّت وبركياروق مُنَازِلٌ إصبهان، فخرج إليه جماعة من أولاد نظام المُلْك، فاستوزر عزّ المُلْك ابن نظام الملك الذي كان متولي خوارزم.
وأمّا تاج الدّولة تُتُش صاحب دمشق، فلمّا علم بموت أخيه ملكشاه جمع الجيوش وأنفق الأموال، وسار يطلب السّلطنة، فمرّ بحلب وبها قسيم الدّولة أقْسُنْقُر فصالحه وصار معه، وأرسل إلى ياغي سيان صاحب أنطاكية، وإلى بوزان صاحبُ الرّها وحَرّان، يشير عليهما بطاعة تُتُش، فصاروا معه، وخطبوا له في بلادهم، وقصَدَوا الرَّحْبة، فملكوها في المحرّم سنة ستٍّ. ثمّ سار بهم وحاصر نصيبين، فسبُّوه ونالوا منه، فغضب وأخذها عَنْوَةً، وقتل بها خلْقًا ونهبها. ثمّ سلّمها إلى محمد ابن شرف الدّولة العقيلي، وقصد الموصل.
واستوزر الكافي ابن فخر الدّولة بن جهير، أتاه من جزيرة ابن عمر.
وكان قد غلب على الموصل إبراهيم بن قُرَيش أخو شرف الدّولة، فعمل معه مصافاً، وتعرف بوقعة المصنع، فكان هو في ثلاثين ألفًا، وكان تُتُش في عشرة آلاف فتمَّت الكسْرة على جيش إبراهيم، وأخِذ أسيرًا، ثمّ قُتِل صبْرًا. وقيل: إنّ تقدير القتلى من الفريقين عشرة آلاف، وامتلأت الأيدي من السَّبْي والغنائم، حتّى أبيع الْجَمَل بدينار، وأمّا الغنم فقيل: أُبيعت مائة شاة بدينار. ولم يُشَاهد أبشع من هذه الوقعة، وقتل بعض نُسوان العرب أنفسهنَّ خوف الفضيحة، ومنهنّ من غرَّقت نفسَهَا.
وأقرَّ تُتُش على الموصل الأمير علي ابن شرف الدّولة وأمّه صفيّة، وهي عمّة تُتُش، ثمّ بعث إلى بغداد يطلب تقليدًا بالسّلطنة، وساعده كوهرائين فتوقفوا قليلاً.
وسار تُتُش فملك ميّافارقِين، وديار بكر وقصد أَذَرْبَيْجَان، وغلبَ على -[480]- بعضها، فبادر بركياروق ليدفع عمّه تتش عن البلاد، وقصده، فالتقيا، فقال قسيم الدّولة لبوزان: إنّما أطعنا هذا لننظر ما يكون من أولاد السّلطان، والآن فقد ظهر ابنُه هذا، وينبغي أن نكون معه، ففارقا تُتُش وتحوّلا بعسكرهما إلى بَركيَارُوق، فلمّا رأى ذلك تُتُش ضَعُف ورجع إلى الشّام، واستقام دَسْت بركياروق.
وفيها في جُمَادى الآخرة جاء عسكر المصريّين، فتملِّكوا مدينة صور بمخامرة أهلها، وأُخِذ متولّيها إلى مصر، فقتل هو وجماعة.
ولم يحجّ أحدٌ من العراق، بل خرج ركْبٌ من دمشق، فنهبهم أمير مكّة محمد بن أبي هاشم، وخرجت عليهم العُربان غير مرة ونهبوهم، وتمزقوا، وقتل جماعة، ورجع من سلم في حال عجيب.
وأما بغداد فهاجت بها فتنةٌ مزعجة على العادة بين السُّنّة والرَّافضة.
وسار سيف الدّولة صَدَقَة بن مَزْيَد أميرُ العرب، فلقي السّلطان بركياروق بنَصِيبِين، وسار في خدمته إلى بغداد، فوصلها في ذي القعدة، وخرج عميد المُلْك بن جَهير الوزير والنّاس معه إلى تلقيه.
ومات جعفر ابن المقتدي بالله، وله ستُّ سِنين، وهو سِبْط السّلطان ملكشاه.