فيها افتتح أهل مصر صور، وكان قد تغلَّب عليها القاضي عين الدّولة ابن أبي عَقِيل، ثمّ تُوُفّي ووليها أولاده، فسلَّموها لضعفهم. وسارت العّساكر إلى صيدا فتسلموها. ثمّ ساروا إلى عكا، فحاصروها وضيّقوا على المسلمين فافتتحوها. وملكوا مدينة جُبَيْل، ورتّبوا نوّاب المستنصِر بها، ورجعوا إلى مصر منصورين مظفرين بعزم أمير الجيوش.
وفيها عظُمت البليّة ببغداد بين السُّنّة والشِّيعة، وقُتِل بينهم بشرٌ كثير، وركب شِحْنة بغداد ليكفهم فعجز، وذلت الرّافضة بإعانة الخليفة وأعوانه عليهم، وأجابوا إلى إظهار السُّنّة، وكتبوا بالكَرْخ على أبواب مساجدهم: خير الناس بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عليّ فعظُمَ هذا -[472]- على جهلتهم وشُطّارهم، فثاروا ونهبوا شارع ابن أبي عَوْف، وفي جملة ما نهبوا دار المحدّث أبي الفضل بن خَيْرُون، فذهبَ مستصرخًا ومعه خلْق، ورفعت العامّة الصُّلْبان وهجموا على الوزير وما أبقوا ممكنًا، وقُتِل يومئذٍ رجل هاشميّ بسهمٍ غرْبٍ، فقتلت السُّنّة عِوَضَه رجلًا علويًّا واحرقوه. وجَرَت أمور قبيحة، فطلب الخليفة من صدقة بن مَزْيَد عسكرًا فبعث عسكرًا، وتتبَّعوا المفسدين إلى أن خمدت الفتنة.
وفيها كان قحط بإفريقيّة وحروب، ثمّ أمنوا ورخصت الأسعار.
وفيها عُمِلت ببغداد مدرسة لتاج المُلْك مستوفي الدّولة بباب أبرز، ودرّس بها أبو بكر الشّاشيّ، وتعرف بالمدرسة التاجية.
وفيها عمرت منارة جامع حلب.
وفيها سَرَق رجلٌ نَحْويٌّ أشقر ثيابًا فأُخِذ وهمّوا به فهرب وذهب إلى بلاد بني عامر، بنواحي الإحساء، وقال لأميرهم: أنت تملك الأرض ويتمّ لك، وأنت أجدادك أفعالهم بالحاجّ في التّواريخ. وحسن له نهب البصرة فجمع العربان، وقصد البصرة بغتةً، والنّاسُ آمِنون بهيبة السّلطان، فملكها ونهبها، وفَعَلوا كلّ قبيح، وأحرقوا عدّة أماكن، وجاء الصريخ إلى بغداد، فانحدر سعْد الدّولة كوهرائين، وسيف الدّولة صَدَقَة بن مَزْيَد، فوجدوا الأمر قد فات، ثمّ أُخِذَ ذلك النَّحْويّ فشُهِّر وصُلِب ببغداد.
وفيها وصل للنظاميّة مُدرّسان، كلّ واحدٍ معه منشورٌ بها من نظام المُلْك، وهما أبو محمد عبد الوهّاب الشّيرازيّ، وأبو عبد الله الطَّبَريّ. ثمّ تقررّ الأمرُ أنّ كلّ واحدٍ يدرِّس يومًا.
وفيها مات فخر الدّولة بن جهير.
وفي شعبان تسلَّم ابن الصّبّاح رأس الإسماعيليّة قلعة أصبهان، وذلك أول ظهورهم. وسيأتي ذكرهم في سنة أربع وتسعين.