-سنة اثنتين وستين وأربعمائة.

فيها أقبل صاحب القسطنطينية - لعنه الله - في عسكرٍ كبير إلى أن نزل على مَنْبج، فاستباحها قْتلًا وأسْرًا، وهرب من بين يديه عسكر قِنسرين والعرب، ورجع الملعون لشدّة الغلاء على جيشه، حتى أبيع فيهم رِطل الخبز بدينار.

وفيها سار بدر أمير الجيوش فحاصر صور، وكان قد تغلَّب عليها القاضي عين الدّولة ابن أبي عَقِيل، فسار لنجدته من دمشق الأمير قرلوا في ستة آلاف، فحصر صيدا، وهي لأمير الجيوش، فترحّل بدر، فردّ العسكر النَّجدة، ثمّ عاد بدر فحاصر صور بَرًا وبحرًا سنةً، فلم يقدر عليها، فرحل عنها.

وفيها ورد رسول أمير مكة محمد بن أبي هاشم وولد أمير مكة على السلطان ألْب أرسلان بأنّه أقام الخطبة العبّاسيّة، وقطع خطبة المستنصر المصريّ، وتركّ الأذان بحيِّ على خير العمل، فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخِلْعًا، وقال: إذا فعل مُهَنّا أمير المدينة كذلك أعطيناه عشرين ألف دينار.

وسببُ ذلك ذِلّة المصريين بالقحْط المُفْرِط، واشتغالهم بأنفسهم حتى أكل بعضهم بعضًا، وتشتتوا في البلاد، وكاد الخراب يستولي على سائر الإقليم، حتى أبيع الكلبُ بخمسة دنانير، والهِرّ بثلاثة دنانير. وبلغ الإِرْدبّ مائة دينار.

وورد التجارُ ومعهم ثياب صاحب مصر وآلاته نُهبت وأبيعت من الجوع. وقد كان فيها أشياء نُهبت من دار الخلافة ببغداد وقت القبض على الطائع لله ووقت فتنة البساسيري. وخرج من خزائنهم ثمانون ألف قطعة بِلَّور، وخمسة وسبعون ألف قطعة من الديباج القديم، وأحد عشر ألف كزاغند، وعشرون ألف سيف مُحلَّى، هكذا نقله ابن الأثير.

قال صاحب " مرآة الزمان " - والعُهده عليه: خَرجت امرأة من القاهرة -[141]- وبيدها مُدّ جوهر، فقالت: مَن يأخذه بِمُدّ بُرٍّ؟ فلم يلتفت إليها أحدٌ، فألقته في الطريق، وقالت: هذا ما نفعني وقت الحاجة، ما أريده، فلم يلتفت أحدٌ إليه.

وقال ابن الفضل يهنئ القائم بأمر الله بقصيدة:

وقد علم المصريُّ أن جُنُوده ... سِنُو يوسفٍ فيها وطاعونُ عَمَوَاسِ

أقامتْ به حتى استراب بنفسه ... وأوجَس منها خيفةً أيَّ إِيجاسِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015