69 - عَبْد الوهاب بْنُ عَلِيَّ بْنُ نصر بْنُ أَحْمَد، القاضي أبو محمد البغداديّ المالكيّ الفقيه. [المتوفى: 422 هـ]
سمع الحسين بن محمد بن عُبَيْد العسْكريّ، وعمر بن سَبَنْك، وأبا حفص بن شاهين، وكان شيخ المالكيّة في عصره وعالمهم.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان ثقة، لم ألقَ من المالكيّين أفقه منه، ولي القضاء ببادَرَايا ونحوها، وخرج في آخر عمره إلى مصر، فمات بها في شعبان.
وقال القاضي ابن خَلِّكان: هو عبد الوهّاب بن عليّ بن نصر بن أحمد بن الحسين بن هارون ابن الأمير مالك بن طَوْق التَّغلبيّ، من أولاد صاحب الرَّحْبَة. كان شيخ المالكيَّة. صنَّف كتاب " التّلقين "، وهو مع صِغَره من خيار الكُتُب، وله كتاب المعرفة في " شرح الرِّسالة "، وغير ذلك، وقد اجتاز بالمَعَرَّة، فأضافه أبو العلاء بن سليمان، وفيه يقول: -[379]-
والمالكي ابن نصر زان في سَفَرٍ ... بلادَنا فحمدْنا النَّأْيَ والسَّفَرا
إذا تفقَّه أحيا مالِكًا جَدَلًا ... وينشر الملك الضِّلّيل إن شعرا
وقال أبو إسحاق في " الطّبقات ": أدركته وسمعت كلامه في النَّظر، وكان قد رأى أبا بكر الأبْهَريّ، إلْا أنّه لم يسمع منه. وكان فقيهًا متأدِّبًا شاعرًا، وله كُتُبٌ كثيرةٌ في كلّ فنٍّ من الفقه. وخرج في آخر عمره إلى مصر، وحصل له هناك حالٌ من الدّنيا بالمَغَارِبَة.
وله في خروجه من بغداد:
سلامٌ على بغدادَ في كلِّ موطِنٍ ... وحُقَّ لها منّي سلامٌ مضاعف
فوالله ما فارقتها عن قِلى لها ... وإنّي بشَطَّيْ جانبيها لعَارِفُ
ولكنّها ضاقتْ عليّ بأسْرِها ... ولم تكنِ الأرزاقُ فيها تُساعفُ
وكانت كخِلٍّ كنتُ أهوى دُنُوَّه ... وأخلاقُهُ تَنْأى به وتخالِفُ
قلت: وله:
ونائمةٍ قبَّلتُها فتَنَبَّهَتْ ... وقالتْ تعالَوْا فاطْلُبوا اللِّصَّ بالحدِّ
فقلت لها إني فديتك غاصب ... وما حكموا في غاصب بسوى الرد
خذيها وكفي عن أثيمٍ ظُلامةً ... وإن أنتِ لم تَرْضَيْ فألفا على العدِّ
فقالت قِصاصٌ يشهدُ العقلُ أنّهُ ... على كبد الجاني ألذ من الشهد
فباتت يميني وهي هِميان خصْرها ... وباتت يساري وهي واسطة العقد
فقالت ألم أُخْبِرْ بأنّك زاهِدٌ ... فقلت: بلى ما زلت أزهدُ في الزُّهدِ
وذكره القاضي عياض، فقال: ولي قضاء الدّينَوَر وغيرها، وقد رأى أبا بكر الأبْهَريّ، وتفقّه على كبار أصحابه ابن القصّار، وابن الجلْاب، ودرس علم الكلام والأصول على القاضي أبي بكر ابن الباقِلانيّ، وصنَّف في المذهب والأصول تواليف كثيرة، وشرح " المدوّنة "، وكتاب " الأدلّة في مسائل -[380]- الخلاف " وكتاب " النُّصْرة لمذهب مالك "، وكتاب " عيون المسائل ".
وخرج من بغداد لإملاقٍ أصابه، وقيل: إنّه قال في الشّافعيّ شيئًا، فخاف على نفسه فخرج. حدَّثني بكتاب " التّلقين " له أبو عليّ الصدفي، قال: حدثنا مهديّ بن يوسف الورّاق عنه.
قلتُ: وكان مولده في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.
وأخوه أبو الحسن محمد، كان أديبًا شاعرًا، توفي بواسط سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. وتوفي أبوهما سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، قاله ابن خَلِّكان.