في عاشوراء أغلقَ أهل الكرْخ أسواقهم، وعلّقوا عليها المُسُوح وناحوا؛ وذلك لأنّ السلطان انحدر عنهم فوقع القتال بينهم وبين السُّنة. ثمّ أُنزلت المُسُوح وقُتل جماعة من الفريقين، وخرِّبت عدة دكاكين، وكَثُرت العملات من البرجميّ مقدّم العيّارين وأخذ أموالا عظيمة.
وفيها دخل جلال الدّولة وعسكره إلى الأهواز ونهبتها الأتراك وبدّعوا بها، وزاد قيمة الّذي أخذ منها على خمسة آلاف ألف دينار، وأُحرقت عدّة أماكن، بل ما يمكن ضبطه.
وفي جُمَادى الأولى جلس القادر بالله، وأذِن للخاصّة والعامّة، وذلك عقِيب شَكاةٍ عرضت له، وأظهر في هذا اليوم تقليد ولده أبي جعفر بولاية العهد وهنّأ الناس أبا جعفر ودعوا له، وذكر في السكة والخطبة.
وجاء الخبر أن مطلوبا الكُرديّ غزا الخَزَر فقَتَل وسبي وغنِم وعاد، فاتّبعوه وكسروه واستنقذوا الغنائم والسَّبْي، وقتلوا من الأكراد والمطّوعة أكثر من عشرة آلاف، واستباحوا أموالهم.
وكان ملك الروم، لعنه الله، قد قَصَد حلب في ثلاثمائة ألف، ومعه أموال على سبعين جمّازة، فأشرف على عسكره مائة فارس من العرب، وألف راجل، فظنّ أنّها كبْسة، فلبس ملكهم خُفًّا أسود حتى يخفى أمره، فهرب، وأخذوا من خاصه أربعمائة بغْل بأحمالها، وقتلوا من جيشه مقتلةً عظيمة.
وفي شوّال اجتمع الهاشميّون إلى جامع المنصور، ورفعوا المصاحف -[342]- واستنفروا الناس، فاجتمع له الفُقَهاء، وخلقُ من الكَرْخ وغيرها، وضجوّا بالاستعْفاء من الأتراك. فلمّا رَأَوْهم قد رفعوا أوراق القرآن على القَصَب رفعوا لهم قناةً عليها صليب، وترامى الفريقان بالآجُرّ والنشّاب وقُتِل طائفة، ثمّ أُصلح الحال.
وكَثُرت العَمْلات والكَبْسات من البرجميّ ورجاله، وأخذ المخازن الكِبار وفتح الدّكاكين، وتجدد دخول الأكراد المتلصِّصة إلى بغداد، وأخذوا خيل الأتراك من الإصطبلات.
ولم يخرج رَكْبٌ من العراق في هذه السنة.
وتوفي ابن حاجب النعمان الكاتب.
وفيها اشترى ملك الروم الَّنْصرانيّ نصف مدينة الرها بعشرين ألف دينار من ابن عُطَيْر النُّمَيريّ، فهدمَ الملعون المساجد وأجلى المسلمين منها. ثمّ أخذها السّلطان مَلكْشاه سنة تسعٍ وسبعين، وسلّمها إلى الأمير توران. ثمّ أخذتها الفرنج في أوّل ظهورهم على البلاد سنة اثنتين وتسعين، وبقيت بأيديهم إلى أن افتتحها زنْكي والد الملك نور الدين محمود سنة تسعٍ وثلاثين وخمسمائة.