327 - الحسين بْن عليّ بْن حسين بْن محمد، الوزير أبو القاسم بْن أبي الحَسَن الشيعيّ، عُرف بابن المغربيّ. [المتوفى: 418 هـ]
كَانَ مَعَ أَبِيهِ، فلمّا قتل الحاكم بمصر أباه وعمّه وإخوته هرب أبو القاسم مِن مصر، واستجار بحسّان بْن مفرّج الطّائيّ، ومدحه، فوصله وأجازه. حدث عَنْ الوزير أَبِي الفضل جعفر بْن الفُرات بْن حنْزَابَة. روى عَنْهُ ابنه عَبْد الحميد، وأبو الحَسَن بْن الطَّيّب الفارقيّ.
وقد وَزَرَ لصاحب ميافارقين أحمد بْن مروان.
ومن شِعره لمّا كَانَ مختفيا بالقاهرة والحاكم يطلب دمه، وقد كَانَ بمصر صبيٌّ أمرد يُضرب المثلُ بحُسنْه، وكان يشتهي أبو القاسم أن يراه، فأُخبِر بأنّه يسبح في الخليج، فخرج ليراه وغرَّرَ بنفسه، فنظر إِليْهِ وقال:
عُلمتُ منطقَ حاجبَيْه ... والبَيْنُ ينشر رايتيهِ
وعَرفتُ آثارَ النعيمِ ... بقُبلة في وجنتيهِ
ها قد رضِيتُ من الحياة ... بأسرها نظري إليهِ
ولقد أراه في الخليـ ... ـج يشقهُ من جانبيهِ
والموجُ مثلُ السيفِ وهـ ... ـو فرنده في صفحتيهِ
لا تشربوا مِن مائه ... أبدًا، ولا ترِدوا عليهِ
قد ذاب منه السحرُ في ... حركاتهِ من مُقلتيهِ
فكأنه في الموج قلـ ... ـبي بين أشواقي إليهِ
وله:
وكلّ أمرئٍ يدري مواقعَ رُشدهِ ... ولكنّه أعمي أسيرُ هواهُ
هوى نفسهِ يُعميهِ عَنْ قُبح عيبهِ ... وينظُرُ عَنْ فَهْمٍ عيوب سِواهُ
ابن النّجّار: أنشدنا الفَتْح بن عبد السلام، قال: أخبرنا جدي، قال: أنشدنا رزق الله التميمي، قال: أنشدنا الوزير أبو القاسم الحسين بْن عليّ المغربي لنفسه: -[295]-
وما أمُ خشف خلَّفَتْه وبَكَّرَتْ ... لتُكسبه طَعْمًا وعادت إلى العُشِ
غدت تَرْتَعي ثمّ انْثَنَتْ لرضاعهِ ... فلم تلقَ شيئًا مِن قوائمه الحمشِ
فطافت بذاك القاع وَلْهًا فصادفتْ ... سِباع الفَلا نَهَشَتْه أيما نهشِ
بأوجعَ منّي يومَ ظلّت أناملٌ ... تودّعني بالدّرّ مِن شبك النقشِ
وأجمالهم تَحْدِي وقد لوح النَّوَى ... كأنّ مطاياهم عَلَى ناظري تمشي
وأعْجبُ ما في الأمر أنْ عشتُ بعدهُمْ ... عَلَى أنّهم ما خلَّفوا فيَّ مِن بطشِ
قَالَ مِهيار الديلمي: لما وزر أبو القاسم ابن المغربيّ ببغداد تعظم وتكبَّر ورَهِبَة النّاس، وانقبضتُ عَنْ لقائه، ثمّ خِفتُ فعملتُ فيه قصيدتي البائية، فدخلتُ فأنشدتهُ، فرفع طرْفَه إليّ وقال: اجلس أيها الشَّيْخ. فلمّا بلغت إلى قولي:
جاء بك الله عَلَى فترةٍ ... بآيةٍ مَن يَرها يعجبِ
لم تألفِ الأبصارُ مِن قَبْلها ... أن تَطْلُع الشمسُ مِن المغربِ
فقال: أحسنت يا سيّدي، وأعطاني مائتي دينار.
قلت: وكان جدُّهم يُلقب بالمغربيّ لكونه كَانَ كاتبًا عَلَى ديوان المغرب، وأصله بصْريّ.
قصد أبو القاسم فَخْرَ المُلك أبا غالب، وتوصَّل إلي أن وَزَرَ سنة أربع عشرة. وكان بليغًا مفَّوهًا مترسّلًا، يتوقَّد ذكاءً. ومن شِعْره:
تأمَّل مَنْ أهواهُ صُفرة خاتمي ... فقال حبيبي لِمْ تجنبتَ أحمَره؟
فقلت لَهُ: مِن أحمرٍ كَانَ لونُهُ ... ولكْن سَقَامي حل فيه فغيره
توفي في رمضان.
وقد ساق ابن خلّكان نَسَبَه إلى بِهرام جور، وقال: له " ديوان " شِعر، و" مختصر إصلاح المنطق "، وكتاب " الإيناس "، ومولده سنة سبعين وثلاثمائة، وحفظ كُتُبا في اللُّغة والنَّحْو. وكان يحفظ نحو خمسة عشر ألف بيت مِن الشِعر، وبرع في الحساب، وحصَّل ذَلِكَ وله أربع عشرة سنة، وكان مِن دُهاة العالم. هرب مِن الحاكم، فأفسد نيّات صاحب الرّمْلة وأقاربه على الحاكم، -[296]- وسار إلى الحجاز، فأطمع صاحب مكّة في الحاكم وفي أخذ ديار مصر، وعمل ما قلق الحاكم منه وخاف على ملكه، وتوفي بميافارقين. وحُمل إلى الكوفة بوصيّةٍ منه، وله في ذَلِكَ حديث طويل، ودُفن في تُربة مجاورةٍ للمشهد المنسوب إلى عليّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ومن شِعْره:
أقولُ لها والعيسُ تُحدجُ للسُّرَى: ... أَعِدّي لفَقْدي ما استطعتِ مِن الصبرِ
سأنفقُ ريعانَ الشبيبةِ آنِفا ... عَلَى طَلَب العلياءِ أو طلبِ الأجرِ
أليسَ مِن الخُسْران أنّ لياليا ... تمرُّ بلا نَفْعٍ وتُحسبُ مِن عمري؟
ومن شِعْره:
أرى النّاس في الدّنيا كَرَاعٍ تنكرتْ ... مراعيهِ حتّى لَيْسَ فيهنّ مرتعُ
فماءٌ بلا مَرْعَى ومَرْعَى بغيرِ ماء ... وحيثُ تَرَى ماءً ومَرْعَى فمسبعُ
وكتب إلى الحاكم:
وأنتَ وحسبي أنت تعلم أن لي ... لسانا إمام المجد يبني ويهدمُ
وليس حليمًا مِن تُقبل كفُّهُ ... فَيَرْضَى، ولكن مَن تُعض فيحلُمُ
ومن شِعْره:
قبورٌ ببغداد وطُوس وطَيْبةٍ ... وفي سُر مرا والغِريّ وكربلا
إذا ما أتاها عارفٌ بحقوقها ... ترحل عنها بالذي كان أملا