فيها انتشرت العيّارون ببغداد، وخرقوا الهَيْبَة، وواصلوا العملات والقتل.
وفي ربيع الأوّل تُوُفّي مشرّف الدّولة السّلطان، ونهبت خزائنه، وهو مشرف الدولة ابن بهاء الدولة ابن عضد الدولة بن بويه الديلمي، واستقرّ الأمر عَلَى تولية جلال الدّولة أَبِي طاهر، فخُطب لَهُ عَلَى المنابر، وهو بالبصرة. فخلع عَلَى شرف المُلْك أَبِي سعْد بْن ماكولا وزيره، ولقّبه " عَلَم الدّين، سعْد الدّولة، أمين المِلَّة، شرف المُلْك ". وهو أوّل مِن لُقَّب بالألقاب الكثيرة.
قلتُ: ولعلّه أول مِن لقب باسم مضاف إلى الدين.
ثمّ إنّ الْجُنْد عدلوا إلى المُلْك أَبِي كاليجار ونوهوا باسمه، وكان ولي عهد أَبِيهِ سلطان الدّولة الّذي استخلفه بهاء الدّولة عليهم فخُطب لهذا ببغداد، وكُوتب جلال الدّولة بذلك، فأصعد من واسط.
وكان قد نفّذ صاحبُ مصر إلى محمود بْن سُبُكْتكين حاجبه مَعَ أَبِي العبّاس أحمد بْن محمد الرّشيديّ الملقّب بزيْن القُضاة، فجلس القادر بالله بعد أن أحضر القُضاة والأعيان، وحضر أبو العبّاس الرّشيديّ وأحضر ما كَانَ حمله صاحب مصر، وأديّ رسالة محمود بْن سُبُكْتكين بأنّه الخادم المخلص الّذي يرى الطّاعة فَرْضًا، ويبرأ مِن كلّ مِن يخالف الدعوة العبّاسية. فلمّا كَانَ بعد اليوم أُحرقت تِلْكَ الخِلَع الّتي مِن صاحب مصر كما ذكرنا، وسُبِك مركب فضّة أهداه، فكان أربعة آلاف وخمسمائة وستين درهمًا، فتصّدق بِهِ عَلَى ضُعَفاء الهاشميّين.
وتفاقم أمر العيارين، وأخذوا الناس نهارا جَهَارًا، وفي اللّيل بالمشاعل والشّمْع، كانوا يدخلون عَلَى الرّجل فيطالبونه بذخائره ويعذّبونه، وزاد البلاء، وأحرقت دار الشريف المرتضى، وغلت الأسعار.
ولم يحج أحد من العراق.
وكانت الأندلس كثيرة الحروب والفِتَن عَلَى المُلْك في هذا الزّمان، وهُم فِرق.