والحارث بن عَوْف المُرِّي في قومه، ومسعود بن زحيلة فيمن تابعه من قومه أشْجَع. فلما سَمِعَ بهم النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفر الخندق عَلَى المدينة وعمل فيه بيده، وأبطأ عَنِ المسلمين في عمله رجالٌ منافقون، وعمل المسلمون فيه حتى أحكموه.
وكان في حفْره أحاديث بلغتني، منها: بلغني أنّ جابرًا كان يحدّث أنّهم اشتدّت عليهم كدية فشكوها إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا بإناء من ماء فَتَفَلَ فيه، ثُمَّ دعا بما شاء الله، ثُمَّ نضح الماء عَلَى الكُدْية حتى عادت كثيبًا.
وحدّثني سعيد بن ميناء، عَنْ جابر بن عبد الله قَالَ: عملنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الخندق، فكانت عندي شُوَيْهة، فقلت: والله لو صنعناها لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرتُ امرأتي فطحنتْ لنا شيئًا من شعير، فصنعتْ لنا منه خُبزًا، وذبحت تِلْكَ الشاة فشَوَيْناها، فلما أمسينا وأراد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الانصراف، وكنّا نعمل فِي الخندق نهارًا فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا، فقلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنّي قد صنعت كذا وكذا، وأحبّ أن تنصرف معي، وإنّما أريد أن ينصرف معي وحده. فلما قلت له ذَلِكَ، قَالَ: نعم. ثُمَّ أمر صارخًا فصرخ أنِ انصرفوا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بيت جابر. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فأقبل وأقبل النّاس معه، فجلس وأخرجناها إليه، فَبَرَكَ وسمَّى، ثُمَّ أكل، وتواردها النّاس، كلّما فرغ قومٌ قاموا وجاء ناسٌ، حتى صدر أهلُ الخندق عنها.
وحدّثني سعيد بن ميناء أنّه حُدِّث أنّ ابنة لبشير بن سعد قَالَت: دعتني أمّي عمرةُ بنتُ رَواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثُمَّ قَالَتْ: أي بُنَيَّة اذهبي إلى أبيك وخالك، عبد الله بغذائهما. فانطلقتُ بِهَا فمررت برَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا ألتمس أبي وخالي فقال: ما هذا معك؟ قلت: تمر بَعَثَتْ به أمي إلى أبي وخالي، قَالَ: هاتيه. فَصَبَبْتُهُ في كَفَّيْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فملأتهما