192 - أحمد بْن أَبِي طاهر محمد بْن أحمد، الْإِمَام أبو حامد الإسْفَرايينّي الشّافعيّ. [المتوفى: 406 هـ]
قدمِ بغداد وهو صبيّ فتفقه عَلَى أَبِي الحَسَن ابن المرزُبان، وأبي القاسم الدّاركيّ حتى صار أحد أئمة وقته، وعظُم جاهه عند الملوك. وحدث عَنْ عَبْد الله بْن عَدِيّ، وأبي بَكْر الإسماعيليّ، وأبي الحَسَن الدارقُطني، وجماعة.
قَالَ أبو إسحاق في " الطبقات ": انتهت إليه رياسة الدّين والدّنيا ببغداد، وعلّق عَنْهُ تعاليق في شرح المُزني، وطبق الأرض بالأصحاب، وجَمَعَ مجلسه ثلاثمائة متفقه.
وقال أبو زكريا النواوي: تعليق الشَّيْخ أَبِي حامد في نحو خمسين مجلّدًا، ذكر مذاهب العلماء، وبسط أدلّتها والجواب عَنْهَا، تفقَّه عَليْهِ أقضي القُضاة أبو الحَسَن الماورديّ، والفقيه سُليم الرّازيّ، وأبو الحَسَن المَحَامِليّ، وأبو عليّ السّنْجيّ، تفقَّه هذا السّنْجيّ عَليْهِ وعلى القفّال، وهما شيخا طريقتي العراق وخُراسان، وعنهما انتشر المذهب.
وقال الخطيب: حدثونا عَنْهُ، وكان ثقة، رَأَيْته، وحضرُت تدريسه في -[102]- مسجد عَبْد الله بْن المبارك، وسمعتُ من يذكر أنه كان يحضر درسه سبعمائة فقيه، وكان النّاس يقولون: لو رآه الشّافعيّ لفرح به، ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وقدم بغداد سنة أربعٍ وستّين.
قَالَ الخطيب: وحدثني أبو إسحاق الشيرازي قال: سَأَلت القاضي أبا عَبْد الله الصَّيْمُريّ: مَن أَنْظَر مَن رأيتَ مِن الفقهاء؟ فقال أبو حامد الإسْفَرايينيّ.
قَالَ أبو حيّان التّوحيديّ في " رسالة ما تتمثل بِهِ العلماء ": سَمِعْتُ الشَّيْخ أبا حامد يَقُولُ لطاهر العبّادانيّ: لا تعلّق كثيرًا ممّا تسمع مني في مجالس الجدل، فإن الكلام يجري فيها على ختل الخصم ومغالطته ودفعه ومغالبته، فلسنا نتكلم لوجه الله خالصًا، ولو أردنا ذَلِكَ لكان خَطْوُنا إلى الصَّمْت أسرع مِن تطاولنا في الكلام، وإن كنا في كثير من هذا نَبُوء بغضب الله تعالى، فإنَّا مَعَ ذلك نطمع في سعة رحمة الله.
قال ابن الصَّلَاحِ: وَعَلَى أَبِي حَامِدٍ تَأَوَّلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَدِيثَ: " إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مَائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجدد لَهَا دِينَهَا "؛ فَكَانَ الشَّافِعِيُّ عَلَى رَأْسِ الْمَائَتَيْنِ، وَابن سُريج فِي رَأْسِ الثَّالِثَةِ، وَأَبُو حَامِدٍ فِي رَأْسِ الرَّابِعَةِ.
وعن سُليم الرّازيّ إنّ أبا حامد في أوّل أمره كَانَ يحرس في درب، فكان يطالع الدَّرس عَلَى زيت الحَرَس، وإنّه أفتى وهو ابن سبع عشرة سنة.
قَالَ الخطيب: مات في شوال، وكان يوما مشهودا، دفن في داره، ثم نُقل سنة عشر وأربعمائة ودُفن بباب حرب.