109 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يوسف بْن نصر، الحافظ أبو الوليد ابن الفَرَضيّ القُرطبي. [المتوفى: 403 هـ]
مصنّف " تاريخ الأندلس ".
أخذ عَنْ أَبِي جَعْفَر بْن عَوْن اللَّه، وابن مُفرج، وعبد الله بْن قاسم، وخَلَفَ بْن القاسم، وعبّاس بْن أَصْبَغ، وخلْق، وحجّ، فأخذ عَنْ يوسف بن الدخيل، وأحمد بن محمد ابن المهندس، والحسن بْن إسماعيل الضّرّاب، وأبي محمد بن أبي زيد، وأحمد بن دحمون، وأحمد بن نصر الداودي.
وله مصنف في " أخبار شعراء الأندلس "، وكتاب في " المؤتلف والمختلف "، وفي " مُشتبه النسبة ".
روى عنه ابن عبد البر، وقال: كان فقيها عالما في جميع فنون العلم فِي الحديث والرجال. أخذتُ معه عَنْ أكثر شيوخي، وكان حسن الصُّحبة والمعاشرة. قتلته البربر، وبقي مُلقى في داره ثلاثة أيام. أنشدنا لنفسه:
أسيرُ الخطايا عند بابِك واقفُ ... عَلَى وَجَل ممّا بِهِ أنتَ عارفُ
يخافُ ذُنُوبا لم يغبْ عنك غَيْبُها ... ويرجوك فيها فَهْوَ رَاجٍ وخائفُ
ومَن ذا الّذي يرجو سِواك ويتقي ... ومالك في فصلِ القضاء مُخالفُ
فيا سَيدي، لا تُخزِني في صحيفتي ... إذا نُشرتْ يوم الحساب الصحائفُ
وكُن مؤنسي في ظُلمة القبر عندما ... يصدُّ ذَوُو ودّي ويجفو المُوالِفُ
لئن ضاق عنّي عَفْوكَ الواسع الّذي ... أرَجَّى لإسرافي فإنيّ لتالفُ. -[60]-
وقال أبو مروان بن حيان: وممن قُتل يوم فتح قُرطبة الفقيه الأديب الفصيح ابن الفَرَضيّ، وَوُرِيَ متغّيرًا من غير غُسْلٍ ولا كَفَن ولا صلاة، ولم يُر مثله بقُرطبة في سعة الرواية، وحِفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والافتنان في العلوم والأدب البارع. ووُلِد سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وحجّ سنة اثنتين وثمانين. وجمعَ من الكُتُب أكثر ما جمعَه أحدٌ من علماء البلد. وتقلد قراءة الكُتب بعهد العامريّة. واستقضاه محمد المهديّ ببلِنْسيَة. وكان حسَن البلاغة والخطّ.
وقال الحُميدي: حدثنا علي بن أحمد الحافظ قال: أخبرني أبو الوليد ابن الفَرَضيّ قَالَ: تعلقتُ بأستار الكعبة وسألت الله الشّهادة، ثمّ انحرفتُ وفكرتُ في هَوْل القتْلِ، فندمتُ وهممتُ أن أرجعُ، فأستقيل الله ذَلِكَ، فاستحييت. قال الحافظ ابن حزْم: فأخبرني من رآه بين القتلي ودَنَا منه فسمعه يَقُولُ بصوتٍ ضعيف: " لا يُكْلم أحدُ في سبيل الله، والله أعلم بمن يَكْلَم في سبيله إلا جاء يَوْمَ الْقِيَامَةِ وجُرحه يثعبُ دَمًا، اللّونُ لونُ الدّم، والرّيح رِيح المِسك " كأنه يُعيد عَلَى نفسه الحديث الوارد في ذَلِكَ. قَالَ: ثمّ قضي عَلَى إثْر ذَلِكَ رحمه الله.
وأنشد لَهُ ابن حزم:
إنّ الّذي أصبحتُ طَوْع يمينهِ ... إنّ لم يكن قمرًا فليس بدونهِ
ذُلي لَهُ في الحبّ من سُلطانه ... وسَقَام جسْمي من سَقام جُفونهِ.