80 - إِسْمَاعِيل بْن حمّاد، أَبُو نصر الْجَوْهري [المتوفى: 393 هـ]
مصنّف " الصِّحاح ".
كَانَ من " فاراب " أحد بلاد التُّرْك، وكان يُضْرَب بِهِ المَثَل فِي حِفْظ اللُّغة، وحُسْن الكتابة، ويذْكر خطُّه مَعَ خطّ ابن مُقْلَة، ومهلهل والبريدي.
وكان يُؤْثِر الغُرْبَة عَلَى الوطن، دخل بلاد ربيعة، ومضر في طلب الأدب، ولما قضى وَطَرَه من قَطْع الْأفاق والأخْذ عن علماء الشام والعراق عاود خراسان، فأنزله أَبُو الْحُسَيْن الكاتب عنده، وبالغ فِي إكرام مثواه جهده، فسكن نيسابور يدرّس ويصنّف اللُّغة، ويعلّم الكتابة، وينسخ الخِتَم.
وفي كتابه " الصِّحاح " يَقُولُ إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد النيسابُوري:
هذا كتاب " الصحاح " سيّد ما ... صُنِّف قبل الصحاح في الأدب
يشمل أنواعه ويجمع ما ... فُرِّق فِي غيره من الكُتُب
ومن العجب أن المصريين يَرْوُون " الصِّحاح " عَنِ ابن القطاع، ولا يرويه أحد بخُراسَان، وقد قِيلَ: إن ابن القَطَّاع ركَّب لَهُ سَنَدًا لما رَأَى رغبة المصريّين فِيهِ، ورواه لهم، نسأل اللَّه الستر.
وفي " الصحاح " أشياء لا ريب في أنه نقلها من صحف فصحف فيها، فانتُدِب لها علماء مصر، وأصلحوا أوهامًا.
وقيل: إنّه اختلط فِي آخر عمره.
ومن شِعْره:
يا صاحبَ الدَّعوةِ لا تَجْزَعَنْ ... فكلُّنا أزْهَدُ من كُرْزِ
والماءُ كالعنبر فِي قُومِسٍ ... من عِزِّهِ يُجْعَلُ فِي الحِرْزِ
فَسَقِّنَا ماءً بلا مِنَّةٍ ... وأنت فِي حِلٍّ من الخُبْز
وله:
فها أَنَا يونُسٌ فِي بطن حُوتٍ ... بنيسابُور فِي ظُلْمَ الغَمام
فبيتي والفؤاد ويوم دَجْنٍ ... ظلامٌ فِي ظلامٍ فِي ظلامِ -[725]-
قَالَ جمال الدين عَلِيّ بْن يوسف القفطي: مات الجوهري متردِّيا من سطح داره بنيسابُور، في شهور سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة: قال: وقيل: مات في حدود الأربعمائة.
وقيل: إنه تَسَوْدَنَ وعمل لَهُ دفَّيْن، وشدَّهما كالجناحين يعني، وقَالَ: أريد أن أطير، وقفز، فأهلك نفسه - رحمه اللَّه -. وكان من أذكياء العالم. أخذ العربية عَنْ أَبِي سَعِيد السِّيرَافِي، وأَبِي عَلِيّ الفارسي، وأخذ اللُّغة عَنْ خاله أَبِي إِبْرَاهِيم إِسْحَاق الفارابي.
وقيل: إن " الصِّحاح " كَانَ قد بقي عَلَيْهِ منها قطعة مسوَدَّة، فبيَّضَها بعد موته تلميذه إِبْرَاهِيم بْن صالح الورّاق، فغلط فِي أماكن، حتى أَنَّهُ قَالَ فِي " سقر " هُوَ بالألف واللام، وهذا يدلّ عَلَى أَنَّهُ لم يقرأ القرآن، وقَالَ: " الجرّاضل الجبل "، فصيرها كلمةً واحدة، بضادٍ مُعْجَمة، وإنّما هِيَ " الجرّ " بالتثقيل، " أصل الجبل ". قَالَ الراجز.
وقد قطعتُ واديا وجرا
وللجوهري مقدمة في النحو: ومن شعره:
رأيتُ فتى أشقرًا أزرقًا ... قليل الدِّماغ كثيرَ الفُضُولِ
يُفَضِّلُ من حُمْقِهِ دائمًا ... يزيد ابْن هندٍ عَلَى ابن البَتُولِ